روضة عودة وجذور الوطن المتأصلة بثناياها
بيرزيت اون لاين – آية غنيمات - الأم الصلبة التي لطالما وقفت بجانب أبنائها الأربعة الذين ذاقوا مرارة التحقيق وعنجهية السجان، المناضلة الفلسطينية المقدسية روضة عودة ذات السبعين عاماً، التي لا زالت تمضي حياتها في مواجهة الاحتلال وبمحاربة السرطان، وبناء جيلٍ شاب لا يعرف المستحيل.
مرت روضة في حياتها بالعديد من المحطات، والتي كانت بدايتها في مجلس طلبة جامعة بيرزيت - كلية بيرزيت آنذاك - في الستينيات من القرن المنصرم، حيث خاضت تجربة العمل الطلابي، و تحدت القيود والعقبات التي كانت تواجه الفتيات في ذلك العصر حتى تثبت ذاتها ووجودها على الأرض، فحاربت العادات والتقاليد السائدة في حينه، و خرجت لتثبت أن قدرة المرأة على العمل ومواجهة الاحتلال لا تقل عن قدرة الرجل، فقاومت الاحتلال حتى كانت من اوائل النساء الذين خاضوا تجربة الاعتقال والتحقيق في فلسطين.
عملت روضة في مهنة التمريض، حيث كانت عضوةً نشطةً بنقابة العاملين في مستشفى المقاصد الخيرية في القدس، وكانت من أوائل المؤسسين لاتحاد لجان المرأة الفلسطينية؛ حيث كانت تسعى إلى تفعيل دور المرأة وتمكينها بما يكفل المساواة الحقيقية بين المرأة والرجل، وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة فئات المجتمع، فناضلت للقضاء على كافة أشكال التمييز الذي تتعرض له المرأة الفلسطينية.
وناضلت لمقاومة الاحتلال والثبات على الأرض، فكانت الأسيرة وزوجة الأسير وأم لأبنائها الأسرى (لؤي وأُبي)، الذين اتخذوا من قوتها ومقاومتها طريقاً للثبات والصمود، حيث أمضى ابنها لؤي في الأسر عشر سنوات، وتحرر ضمن صفقة "وفاء الأحرار" وأُبعد إلى غزة، ومنها ذهب إلى بلجيكا ليتزوج برفيقة عمره التي انتظرته طيلة العشر سنوات لينجب لفتا التي تربطه بوطنه الأم فلسطين، ومحمد العربي الذي ولد في الغربة ويحمل العروبة في ثنايا اسمه.
وفي حديث لؤي عن أمه قال:" أمي بالنسبة لنا مثلها مثل أي أم لها المكانة الخاصة عند أبنائها، ولكن عندما كبرنا أدركنا أنها البوصلة ومصدر القوة والإرادة عند أبناء جيلنا في القدس تحديداً، ودائماً كانت مثالاً للتحدي، ومتواجدة في المواجهات في الصفوف الاولى لرفض الاحتلال و الظلم، ولعل أكثر المواقف تأثيرا وصعوبة كانت بعد فترة اعتقال طويلة لم أر بها أحد من أفراد عائلتي في جلسة المحكمة النهائية للنطق بالحكم، فقبل الدخول للمحكمة تم عقد اتفاق معنا ومع العائلات كذلك أن تكون الأوضاع هادئة عند النطق بالحكم، و بما أنها الجلسة الأخيرة فيتسنى لنا مقابلة عائلاتنا ولمسهم، فهذا شيء عظيم بالنسبة لنا لعدم وجود إمكانية للمس الأهل بعد ذلك، فكانت هذه الفرصة الأخيرة لنا، و كان الحكم عاليا وهو المتوقع، ولكن عندما سمعت أمي الحكم وقفت في المحكمة و بدأت تنشد "بلادي بلادي" ففرضت المواجهة كعادتها، وانقلبت المحكمة بعد ذلك، فذهبت إمكانية السلام على أمي، وكان الموقف مؤثراً كون الحكم عالٍ و قابلته بموقف واضح وصريح لكل المنظومة التي تقف أمامها، و على الرغم من مرضها الشديد في حينه والظرف الخاص الذي ننظر له لعدم معرفتنا بمدى تفشي السرطان بجسدها، إلا أنها وفي قمة المرض وعند سماعها للحكم اختارت المواجهة والصمود والقوة، فعبر هذا الموقف عن معرفتي بها، حيث لا مجال لليونة و التنازل عن مواقفها المبدئية حتى بأقصى الظروف، هذه هي أمي و رفيقتي و بوصلتي، فالمشهد منذ العام 2003 حتى اليوم أثر في تكويني، فهذا الموقف الذي أذكره كل يوم والعديد من المواقف الأخرى، يعطيني الطاقة لأتحدى أي ظرف من الظروف".
فالحديث عن المرأة الحديدية الصامدة والرافضة للظلم والخضوع لا يوفيها حقها، فهي المرأة التي واجهت السرطان اللعين أربع مرات، وواجهت سرطان الاحتلال المتفشي في فلسطين كل يوم، و وقفت إلى جانب النساء والفتيات لتمدهم بالقوة، فكانت وما زالت أماً لأبنائها و لأبناء شعبها، حتى باتت مصدراً للثبات والتحدي، و مثالاً يحتذى به لكافة الأجيال.