البلدة القديمة في الخليل، محاولة مستمرة لإعدام المدينة
بيرزيت اونلاين - أنس صافي - عرفنا منذ الأزل أشكال الاغتيالات بحق الاشخاص، وعرفنا كل أنواع الإعدام كفلسطينيين، إلا أن هناك نوعا جديدا من الإعدام خلقه الاحتلال الإسرائيلي ليقتل مدننا، ولعل مدينة الخليل إحدى هذه المدن المحكوم عليها بالإعدام منذ عام 1967، فقد احتلت المدينة بعد النكسة العربية وفرض الاحتلال سيطرته على البلدة القديمة بشكل كامل ولم يقبل رفع حصاره عنها حتى بعد اتفاق اوسلو، وتعتبر البلدة القديمة نواة الحضارة والعراقة في مدينة الخليل، فهي تحوي عددا كبيرا من البيوت والمحال والمساجد القديمة، أبرزها المسجد الإبراهيمي الذي بني منذ مئات السنين حاملا بين ثنايا حجارته تاريخا عريقا يحمل إرث الديانات وأصالة الساكنين، وتصنف البلدة القديمة على أنها منطقة (H2)؛ أي منطقة خاضعة بشكل كامل للادارة الصهيونية، وعلى إثر ذلك فان الاحتلال أغلق الكثير من محال البلدة وطرد أهلها من بيوتهم لدواعٍ عسكرية، فقد أشارت محافظة الخليل عبر موقعها الرسمي إلى أن هناك قرابة 1333 محلا تجاريا مغلقا ولا تُفتح أبواب هذه المحال إلا بأمر عسكري إسرائيلي، ويقول المواطن ابراهيم التميمي بان تجارته قد توقفت منذ أكثر من 10 سنوات بسبب حصار الاحتلال للبلدة وقلة عدد زائريها، ويضيف التميمي " بطّلنا نقدر نبيع بشيكل باليوم، تطلع حواليك بتشوفش حدا غير أهل الحارة، الله يرحم ايام زمان كنت ما أسكر قبل أذان العشا"، ولعل ما يحكيه الحاج ابراهيم هو واقع قلب مدينة الخليل الزاخر بتاريخها والمصاب بداء الاحتلال بشكل مباشر.
سعي حثيث لإحياء البلدة
سعت بلدية مدينة الخليل إلى تشكيل لجنة إعمار متخصصة في ترميم المدارس القديمة والبيوت والمحلات، في محاولة منها لاعادة الروح للمكان، كما أن البلدية عقدت مجموعة من الاتفاقيات مع الشركات الغذائية والتموينية لإعطاء خصومات كبيرة للمشترين من محلات البلدة القديمة، في محاولة لجذب سكان المدينة والمناطق المجاورة، ولكن السيد محمود شتية يقول أنه بالرغم من المحاولات الجيدة لإحياء المكان إلا انه لم يعد كسالف عصره ويضيف شتية " الله يعطيهم العافية ما قصروا معنا، بس لسه الوضع مش منيح، اليهود هون زي السرطان"، بهذه العبارات وصف السيد شتية حال البلدة القيدمة وعلى تهالكها وضعف حالها.
وفي لقاء بالسيد أنور النتشة الذي عرف عن نفسه بأنه احد القائمين على حملة المساعدات لأهالي البلدة القديمة، أكد النتشة بأن هم أهل الخليل ومسؤوليها هو المحافظة على وجود الفلسطينيين فيها وعدم تمكين الاحتلال من السيطرة المطلقة على المكان، ويقول " احنا بنشتغل عشان الخليل تضل فلسطينية والحارة القديمة هي أهم مكان وأكثر مكان اليهود بحالوا يسيطروا عليه، رغم كل شي بتعرض له أهل البلد إلا أنهم صامدين ومحتسبين". إن الحملة التي يعمل فيها النتشة هي محاولة من محافظة الخليل لمساعدة سكان البلدة وإعطائهم فرصة للبقاء رغم كل ما يتعرضون له علّهم ينقذون ما تبقى.
الترهيب والترغيب الصهيوني
يمارس الاحتلال الاسرائيلي في البلدة القديمة في مدينة الخليل أسلوبين متناقضين على صعيد التعامل، فتارة تراه يعنف الساكنين ويعتدي عليهم وعلى ممتلكاتهم وتارة أخرى تراه يحاول إغراءهم ببريق المال علهم يبيعون إرثهم وهويتهم، ويرى مراد التميمي أحد شباب البلدة بأن الاحتلال أضعف من أن يخرجهم من أرضهم وبيوتهم وأنهم متمسكون بها مهما حصل، ويضيف "ممنوع نسكر أبواب البيوت، كل يومين بنزلوا الجنود وبضربوا الولاد وبكسروا الزرع، وبعدها بيجي مجنون يحكيلنا بيعوا بيوتكم، مهي الشغلة صارت جكر يا احنا يا هم".
إن حال مراد هو حال الغالبية العظمى من سكان البلدة القديمة التي لم يستطع الاحتلال الصهيوني بآلة حربه أن يدفع أهل المدينة للرحيل، فالقضية في رأي أهل المدينة قضية وجود من عدمه، فإن خان الانسان بلاده فكيف يمكن أن يكون، وهؤلاء الفلسطينيون فضلوا ظلام الوطن وسوء حاله على رغد العيش في المنفى.
طريق الحواجز
وأنت في مدينة الخليل وعند تفكيرك بزيارة البلدة القديمة، عليك معرفة أنك ستمر بأربعة حواجز عسكرية لجيش الاحتلال الاسرائيلي داخل البلدة القديمة، هذه الحواجز التي كانت ولا تزال منصات إعدام لأبناء المدينة، ففي العام 2015 أعدم جيش الاحتلال العديد من الشبان والشابات على هذه الحواجز، كان أبرزهم الشهيدة هديل الهشلمون والشهيدة دانيا عسيلة وثلة من شباب المدينة، وهذا الأسلوب هو محاولة من الاحتلال لإخافة الفلسطينيين وترهيبهم من زيارة البلدة القديمة، عدا عن الحجارة التي يلقيها المستوطنون على الفلسطينيين أثناء عبورهم للشوارع، فهم يسكنون بيوتا مرتفعة ويحظون بحماية جيش الاحتلال، وبالرغم من كل ما ذكر إلا ان اهل المدينة مصرون على حقهم في أرضهم وحقهم في مواجهة أي اعتداء.