ريم بنّا، رحلت لكن الذكريات باقية

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2018-06-02 02:06:00

بيرزيت اونلاين - عرين بركات - بصوتها الشاحب المنهك كما وطنها أستمرت الفنانة ريما بنّا في الغناء لفلسطين وإعادة إحياء تراثها حتى تغلب عليها المرض بعد تسع سنوات من الصراع معه. ريم لم تكن تغني فقط بل كانت ناشطة تركض خلف الحرية وتغني لها فشاركت في اعتصامات ومسيرات عدة. 52 عامًا قضت أكثر من نصفها في العمل الفني، وفي النهاية وكما قالت قبل ايام من وفاتها "سأهرب خلسة من بين الورد المسجى في الصندوق ... وأقول هذه الحياة جميلة، والموت كالتاريخ، فصل مزيّف"، نجحت ريم في الهرب ولكن أغانيها بقية حية تَذكرها دائمًا ومن رافقها لم ينس مواقفها معه، في هذه التقرير سنتحدث مع رفاق وأقارب وأصدقاء ريم ليسترجعوا ذكرياتهم معها. ريم التي ولدت في الناصرة شمال فلسطين المحتلة عام 1966 هي ابنة الشاعرة الفلسطينية والناشطة النسوية زهيرة الصباغ، و قد درست في المعهد العالي للموسيقى في موسكو لمدة 6 سنوات.  

"متواضعة وبتحب كل الناس"

قال خال ريم بنّا، والمحاضر في جامعة بيرزيت زهير الصباغ إنَّه واكب غالبية مراحل حياتها، خاصة الطفولة لأنها عاشت معهم في المنزل بعد انفصال والديها فهناك العديد من الذكريات الجميلة معها ومع أخيها فراس وهم صغار، أما في مرحلة دراستها فكانت بعيدة وذلك بسبب دراستها خارج البلاد، رغم ذلك كانت تعود لنا من فترة لأخرى، كما أن عند قرار زواجها جاءت وأخذت رأينا في الأمر.

وأضاف صباغ أنّ الفن شكل جزء من حياة ريم ولا يمكن فصله عنها، فهي بدأت الغناء منذ عشر سنوات، وكافحت لكي تستمر فيه، فليس بالأمر السهل أنَّ تعتمد على الغناء التراثي والوطني وتكون حياتك مبنية عليها، فهي عاشت حياة متواضعة، بدون دخل ثابت وهذا ما تسبب لها في مشاكل مالية بعد إصابتها في المرض وعدم تمكنها من الغناء، وذلك بعد شلل في أحد الاوتار الصوتية بدون معرفة السبب وهذا أثر عليها نفسيًا بشكل كبير، وكان يسبب الحزن لنا أيضًا لعدم قدرتنا على مساعدتها.

"ريم كانت طبيعية وغير متصنعة ومتواضعة بتحب كل الناس وبتتعامل معهم بشكل عفوي ومتسامحة". هكذا وصف الصباغ ابنة أخته، مشيرًا إلى أنَّها لم تأخذ حقها في كثير من الأحيان ودفعت ثمن مواقفها. فبعد مرضها وانفصالها عن زوجها حملت مسؤولية كبيرة مما دفعها للعمل في المطرزات وبيعها من أجل إيجاد مصدرٍ للدخل، مضيفًا أنها امتلكت الأمل والتحدي والإصرار في مواجهة المرض.

وأضاف صباغ لعل آخر أمنية لريم ما زالت قائمة، إذ أنَّ أصدقائها في النرويج أخذوا صور للتحاليل وأجهزة الفحص الخاصة بها أثناء مرضها، وبطريقةٍ ما قاموا بتحويل هذه الصور لموسيقى، ويوجد لها ألبوم موسيقي من المفروض أنَّ يصدر قريبا، وكانت تتمنى أن تتعافى من مرضها لتتمكن من السفر إلى النرويج لحضور هذا الإصدار لكن القدر منعها من تحقيق هذه الأمنية.

"لم تفقد الأمل يومًا"

أما المغني الفلسطيني جوان الصفدي قال أنَّه لم تجمعه علاقة صداقة قوية وكبيرة مع ريم ولكنها يذكرها دائمًا بتضامنها معه حين اعتقل في الأردن بتهمة الكفر ولم تتردد ريم في حينه من إعلان دعمها له والوقوف إلى جانبه رغم أنَّ هذا الموقف أفقدها جزءًا من جمهورها ومعجبيها في الأردن ولكن هذا لم يجعلها تتردد في موقفها.

ويضيف صفدي ريم كانت حساسة تجاه كل ما هو صهيوني وترفضه، فأول مرة أرسلت لها طلب صداقة على موقع "فيسبوك" رفضتني وذلك لأنني كنت اضع مكان الإقامة "إسرائيل".

وأشار صفدي إلى أنه لن ينسى لقاءه فيها على هامش مهرجان في الناصرة عام 2012، حيث كانت مُضربة عن الطعام دعمًا للأسرى الإداريين في إضرابهم، ورفضت الذهاب إلى منزلها من أجل أنَّ ترتاح أو أنَّ تفك إضرابها التضامني رغم مرضها.

"عرفت ريم صادقة، ومتواضعة، تحب فلسطين وتتأثر بقضاياها، ولم تفقد الأمل في شيء يومًا". هكذا اختتم صفدي حديثه عن بنّا.

وقد بدأت مسيرة بنّا الفنية عام 1985 بإصدار ألبوم "جفرا" ومن ثم ألبوم "دموعك يا أمي" و"الحلم"، كما واصدرت ألبومًا فنيًا خاصًا بالاطفال عام 1995 بعنوان "قمر أبو ليلة" وآخرًا في العام التالي بعنوان "مكاغاة". وفي عام 2005 اصدرت البومًا بعنوان "مرايا الروح" أهدته للأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال. كما شهد العام 2006 إصدار ألبوم "لم تكن تلك حكايتي" وهو مهدى للشعب اللبناني والفلسطيني، كما هناك ألبومات أخرى، فيما كانت تنتظر ألبومًا موسيقيًا خلال شهر نيسان لكن الموت غيبها عن إصداره.

"ريم ذكية في عملها"

 اما الفنانة ريم تلحمي فقالت إنَّها تعرفت على ريم في مخيم للعمل في التطوعي عام 1989، وتكررت اللقاءات خلال المهرجانات والأمسيات الفنية، وكانت ريم مثالا للشخص المتفاني في عمله ولكنها مرحة رغم الحزن والمرض تحاول أن تنشر الأمل، وتواجه المرض الذي ترك أثرًا كبيرًا عليها.

وأضافت تلحمي أنَّ ريم ذكية في عملها وانتقائها للكلمات والأغاني رغم المساحة الصوتية الضيقة إلا أنها تمكنت من بناء مجموعة من الأغاني والموسيقى المميزة المناسبة لها ولصوتها. وعملت مع ريم خلال جولة عروض للمعهد الوطني للموسيقى في القدس وسافرنا معًا لسوريا والأردن والبحرين وكنت قريبة منها في ذلك الوقت بشكل كبير.

وبينَت أنّ ريم ركزت على التراث لأنها كانت تهدف لإحيائه، وهي مهمة كبيرة تؤكد على الأصالة والعلاقة بأرضنا، ونجحت في ذلك فأخذت عدة تهاليل فلسطينية وإعادة غنائها في عروضها.

"كان في موقف متكرر بيني وبين ريم، مضحك ومحرج، حيث كان الجميع دائمًا يخربشوا بينا، وفي مرة كان تكريم لريم في تونس بس اتصلوا علي وحكولي عن التفاصيل وقبل السفر اكتشفوا الخربشة بينا". هكذا اختتمت ريم تلحمي حديثها عن ذكرياتها مع الراحلة ريم بنا.

وحققت ريم عدة جوائز كان أبرزها جائزة فلسطين للغناء عام 2000 وشخصية العام من بلدية باجه في تونس 1998، وشخصية العام 1997 من وزارة المرأة في تونس، وشخصية العام في إيطاليا عام 1994، وجائرة ابن رشد للفكر الحر 2013. لترحل ريم عن فلسطين التي بقت حاضرة في أغانيها.

اقرأ أيضا