هجمة الضرائب الجديدة بالقدس تهدد الوجود المسيحي فيها
بيرزيت اونلاين – سندس عويس - استمرارًا لسلسلة إجراءات الاحتلال التهويدية والاستيطانية في مدينة القدس للقضاء على الوجود الفلسطيني فيها وإحلال الطابع اليهودي بشتى الوسائل والطرق، أقرت بلدية الإحتلال مؤخراً قراراً يقضي بفرض ضرائب تصل إلى نحو 190 مليون دولار أمريكي على 887 عقار مسيحي ومؤسسات تابعة للأمم المتحدة، حيث تشمل القائمة التي يسعى الاحتلال جمع الضرائب منها 13 كنيسة، وأراضٍ وقفية ومؤسسات تعليمية وطبية واجتماعية وأديرة وبيوت مخصصة لاستقبال الحجاج المسيحيين، ومساكن أخرى تابعة لمختلف الطوائف المسيحية باستثناء أماكن العبادة التي تحددها بلدية الاحتلال، وقد شمل القرار كذلك على حجز العقارات التي تمتنع عن الدفع.
وفي إجراءٍ احتجاجي تاريخي غير مسبوق أعلن بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن البطريرك ثيوفيلوس الثالث باسم رؤساء كنائس القدس، عن إغلاق كنيسة القيامة أمام الزوار حتى إشعارٍ آخر للاحتجاج على ممارسات الاحتلال بحق الكنائس وملاحقتها مالياً وفرض الضرائب عليها، وذلك خلال مؤتمرٍ صحفي عقد أول أمس الأحد في ساحة كنيسة القيامة بالقدس.
ونفذ حامل مفاتيح كنيسة القيامة المقدسي وجيه نسيبة قرار الإغلاق عقب انتهاء المؤتمر مؤكداً على أن الخطوة التالية للاحتجاج ستكون منع الحجاج القادمين من الخارج زيارة كنائس القدس وخاصة كنيسة القيامة.
وأشار الباحث والمحلل السياسي راسم عبيدات إلى أن قرار إغلاق كنيسة القيامة جاء للضغط على الاحتلال وإجباره على التراجع عن قراره، ودعوة للعالم المسيحي الغربي والشرقي للضغط على صناع القرار للتراجع عن فرض الضرائب على المواقع المسيحية.
وبين أن قرار إغلاق كنيسة القيامة سيؤدي إلى تراجع الاقتصاد لدى الاحتلال خاصة بالمجال السياحي وما يرتبط بها من خدمات فندقية وتجارية، كون الكثير من المكاتب السياحية والفنادق والمطاعم "الإسرائيلية" والتجار يعتمدون على السياحة للأماكن الدينية، وسيتضح هذا التأثر إذا ما أقدم بطاركة الكنائس أيضاً على إغلاق كنيسة الجثمانية في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة البشارة في الناصرة.
وأضاف عبيدات بأن إصرار بلدية الاحتلال على قرارها ومواقفها ضد الأماكن المسيحية سيؤدي إلى مواجهة شاملة مع الاحتلال على المستوى الشعبي على طول مساحة جغرافيا فلسطين التاريخية، إضافة إلى زيادة عزلة "إسرائيل" على المستوى الدولي وتكوين أعداء جدد لها، وإظهارها كدولة تمارس سياسة التطهير العرقي بحق أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية في القدس.
الأب عيسى مصلح
بدوره استنكر الناطق باسم بطريركية الروم الأرثوذوكس الأب عيسى مصلح قرار بلدية الاحتلال بفرض الضرائب، حيث اعتبره قراراً مجحفاً بحق المقدسات المسيحية، و تعدياً واضحاً عليها بشكلٍ عام وعلى الديانة المسيحية بشكلٍ خاص، مشيراً إلى أن القرار يعتبر مخالفاً للاتفاقيات المعمول بها منذ العهد العثماني والتي تقضي بإعفاء الأماكن الدينية المسيحية والإسلامية من دفع الضرائب لانها تعتبر جمعيات خيرية تعمل من أجل مساعدة الغير.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال حجزت فعلياً على بنوك كنيسة الانجليكان، وبنوك بطريركية الروم الأرثوذوكس بملبغ 30 مليون شيقل، كما حجزت على البنوك لمركز "النوتردام" وحراسة الأراضي المقدسة، والكنيسة اللوثرية.
و أكد مصلح على أن القرار الاسرائيلي يسعى إلى توجيه ضربةٍ قاسية للعمل المسيحي الفلسطيني ونهش الكنائس وفرض السيطرة عليها، بالإضافة إلى إنهاء الوجود المسيحي الفلسطيني في مدينة القدس وإنهاء دوره في مساعدة ودعم المجتمع المقدسي، وضرب المجتمع المسيحي اقتصادياً للضغط عليه من أجل الهجرة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه المدينة.
وأضاف بأن القرار سيؤدي إلى نتائج وخيمة، والتي من أخطرها زرع النعرة الدينية في مدينة القدس وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية دينية، وإفلاس الكنائس في حال اضطرت لدفع ضرائب على أملاكها كونها مؤسسات خيرية وليست ربحية، والتأثير على الخدمات التي تقدمها للشعب الفلسطيني وتراجعها بشكل كبير.
واعتبر رئيس التجمع الوطني المسيحي في القدس وعضو المركز الثوري لحركة فتح ديمتري دلياني أن قرار بلدية الاحتلال بتغريم الممتلكات المسيحية بملايين الدولارات، بأنه يأتي ضمن سلسلة إجراءات ضد العقارات المسيحية والتي كان أولها مشروع القانون الإسرائيلي المُقدم من قبل 40 عضو في الإئتلاف الحكومي والذي بُحِث في ما يسمى " بالكنيست الإسرائيلي" للمطالبة بإدارة عقارات وأملاك الكنائس في القدس، بهدف تسهيل مهمة الإستيلاء على العقارات المسيحية، إضافة إلى إطلاق حملة لتشويه صورة الديانة المسيحية بشكل عام وتشويه صورة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بشكل خاص على أنه سرب أراضٍ للاحتلال.
بطريركية الروم الأرثوذوكس بالقدس
وفي حديثٍ مع رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد الأستاذ ناصر الهدمي أكد على أن فرض الضرائب على أماكن العبادة وبالذات في مدينة القدس يشكل جزءاً من الهجمة العامة التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على عموم المقدسيين في المدينة، بهدف تهجيرهم والتضييق عليهم، ومنعهم من بلورة أي شكل يهدف لمقاومة الاحتلال، حيث سيؤدي ذلك إلى هجرة جديدة وانكماش التواجد المسيحي في القدس.
وأضاف بأن الاحتلال يسعى إلى تفريغ المدينة المقدسة من أي عنصرٍ غير يهودي لاينتمي له، ولذلك فإنه يسعى إلى محاربة كل الفئات الموجودة في القدس والتي يمكن أن تشكل خطراً ديموغرافياً بالنسبة له.
وأكد على أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة للاحتلال أعطى الضوء الأخضر لسلطات الاحتلال وشجعها على القيام بمزيد من الممارسات والإجراءات الظالمة في المدينة وإصدار قرارات غير متوقعة، على اعتبار أنها حصلت على شرعية من القرار الأمريكي من أجل اتخاذ قرارات مجحفة بحق المقدسيين لتهجيرهم والضغط عليهم لمغادرة المدينة المقدسة واستغلالها من أجل توطين عدد جديد من المستوطنين اليهود، حيث كان آخر تلك القرارات فرض الضرائب الباهظة غير الشرعية على المقدسات المسيحية.