قصور عبد الهادي، بقعة ضيقة تزخر بعبق التاريخ
بيرزيت اونلاين - رنين مقبول - تزخر البلدات القديمة في فلسطين بالبيوت والقصور التاريخية، فهي الشاهد الحي على ما مرت به البلاد من حضارات، ويُخص بالذكر الحضارة العثمانية وما حملته من تنوع بالمسكن، فنجد البيت الريفي البسيط والقصور الشامخة، فالفترة العثمانية تعد من إحدى أطول المراحل التاريخية للمنطقة التي امتدت لحوالي أربعة قرون.
شكلت القصور والقلاع في وقتنا الحاضر علامة مميزة في تاريخ المجتمع الفلسطيني، فقديماً كانت تلعب دوراً مهماً على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما أثرت تأثيراً حاسماً على مجرى حياة العديد من العائلات الفلسطينية السائدة في ظل الحكم العثماني.
قصور عرّابة وحكايتها
تحتضن محافظة جنين بلدة عرابة التي تعد من أكبر بلدات المحافظة من حيث السكان والمساحة، واتسمت عرابة بموقعها العسكري الإستراتيجي المتميز، فكانت الآبار العامة داخل البلدة تضمن تزويدها بالماء، وفي قلب البلدة تقع مجموعة من القصور الفخمة والضخمة لآل عبد الهادي التي بنيت في القرن الثامن عشر، يسميها أهل البلدة "الخربة" لتردي حالتها.
بُنيت تلك القصور من قِبل حسين عبد الهادي في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، إضافةً للجدران والبوابات والأبراج بني جامع "عرابيل"؛ وامتازت هذه المنطقة بترابط قصورها وتجاورها، ويتكون قصر حسين عبد الهادي وهو أهم قصور البلدة من أقواس مزخرفة ونوافذ خشبية ومبانٍ متراصة وبوابة ضخمة تقود إلى الديوان ومن ثم إلى ساحة القصر الواسعة، ويتضح من تركيبة ومظهر الطابق الثالث للقصر بأنه ذو وظائف دفاعية فيوجد عليه مجموعة من الأبراج وفوهات إطلاق النار.
وحسب ما أفادنا مركز رواق المعماري فإن البناء المبكر للقصور يعود لصالح والد حسين عبد الهادي، وعبد الهادي هو أول شخص عين كشيخ وتوفي في العام 1816، لكن ابنه الكبير حسين كان يمتلك بعض القوة خلال فترة حكم إبراهيم باشا الأمر الذي أكسبه القوة بعد موت والده.
مراحل عهد قصور آل عبد الهادي
قُسّم عهد قصور آل عبد الهادي الى أربع مراحل، فالمرحلة الاولى تتمثل بين عامي 1816-1859 م، وبنيت القصور في المنطقة الشرقية للقرية فيما كانت الجهة الغربية من البلدة للمزارعين، وعندما بنيت القصور كقلاع فُصلت منطقة القصور عن القرية بسور ضخم كان بمثابة الدرع الفاصل لزيادة الأمن في وقت كانت تشهد فيه البلاد صراعات ونزاعات وحروب أهلية امتدت بين (1830-1859 ).
في تلك الفترة التاريخية كانت معايير الثراء مرتبطة بالإبل، لأنها كانت تستخدم كماشية ووسيلةٍ لنقل زيت الزيتون والحبوب إلى نابلس ومدن الموانيء، أما مساحات الأراضي الشاسعة التي كانت بحوزتهم فهي حتى يومنا هذا تعد من مقاييس الثراء، فاستغلوها لإنتاج السلع الزراعية التجارية، ولزراعة شجر الزيتون التي تضاهي أهميتها عند الفلاح الفلسطيني الإبل عند عرب البادية، ولا تزال تقاس الثروة المادية للعائلة الفلاحة بعدد جرار زيت الزيتون التي تُنتج سنوياً.
أما المرحلة الثانية كانت من عام 1859 حتى علم 1909، واجه المهندسون المعماريون صعوبة في تحديد الفترات اللاحقة للقصور، لأنها بنيت من نفس الأحجار الأصلية للقصور التي دمرت وهدمت في معركة عرابة 1859، حيث استعملت تصاميم وتقنيات مشابهة في البناء، وذكر في التاريخ أن الدمار لم يكن كليا ولذلك بقيت خطط القصر الأصلية كما هي.
التاريخ الشفوي للبلدة، يؤكد أن قلة من آل عبد الهادي بقيت في عرابة، وقيل أنه سمح للنساء والأطفال بالعودة إلى عرابة بعد المعركة، لكن الأغلبية من آل عبد الهادي انتقلت إلى نابلس مع ثروتها وبشكل خاص سلالة محمود بيك عبد الهادي وأبنائه عبد الرحمن وعبد الرحيم، وبالطبع كان حسين مقيما في نابلس ودفن بجوار بيته.
وخلال هذا العقد عرفت عائلة عبد الهادي أنها كانت مشغولة بتنظيم نفسها وكسب القوة من خلال التعليم، وأن عددا كبيرا من أفرادها تلقى التعليم في اسطنبول بحيث أصبحت إحدى العائلات المؤثرة فيما بعد؛ وحصلت هناك تغييرات معمارية طفيفة علماً أن القصرين أُهملا وتركا حتى وقت متأخر من المرحلة التالية.
وفي المرحلة الثالثة (1909-1936) لوحظ من خلال نص كتب فوق مدخل القصر، أن الإضافة للقصر تمت في العام 1909 م، وتمثلت ببناء الجزء الجنوبي للقصر من خلال عناصر معمارية حديثة خاصة، ومنذ ذلك الوقت عرف بقصر عبد القادر.
التاريخ الشفوي في عرابة يشير إلى أن الغالبية العظمى من عائلة عبد الهادي تركت القصور وغادرت عرابة خلال سنوات الأربعينات من القرن العشرين، حيث أهملت بعدها القصور وأصبحت أطلال و خرائب كما يسميها أهل عرابة اليوم.
أما المرحلة الأخيرة امتدت من عام 1940 لغاية 2004، أصبح من الصعب الحصول على ملكية هذه المباني والقصور وكيف قسمت بين المالكين، لكن الغالبية من عائلة عبد الهادي التي تعيش اليوم لا يتذكرون القصص الصحيحة والدقيقة خاصة عن أولئك الذين تركوا عرابة.
من الجدير ذكره، أن فلسطين توالت عليها حقب تاريخية عديدة، فحكمها الرومان والإغريق والمماليك إضافةً للعثمانيون، فزخرت تلك المنطقة بالثقافات والحضارات المختلفة، فكل من حكمها ترك جزأً من آثاره انعكس على فن العمارة فيها.