مجزرة قبيا، ذكريات حفرها الاحتلال في الذاكرة

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2018-07-30 12:07:00

بيرزيت اونلاين - بيدان قطنة - مجزرة قبيا، نفذتها وحدة 101 من جيش الاحتلال ووحدة المظليين 890، تحت قيادة "أرائيل شارون"، في فجر الخامس عشر من أكتوبر عام 1953، لتهجير سكان القرية وبث الرعب في القرى والمدن الأخرى. خلفت حسب المصادر نحو 69 شهيدا، وهدم 45 منزلا، ومدرسة ومسجدا، وخزان مياه للقرية.

تحدثنا الحاجة رحيمة (أم صلاح) عن تفاصيل ما عاشته ذلك اليوم. فعند الرابعة فجرا بينما كان غالبية السكان يجهزون أنفسهم للخروج لرعي الأغنام والأبقار، وجلب رزقهم، جاء أبو محمد – أحد رجال القرية - يصرخ برعب وخوف " يا أهل البلد اليهود على باب القرية جايين يطخونا" بعض العائلات خافت وحملت أطفالها وهربت لتختبئ تحت أشجار الزيتون بعيدا عن القرية، لم تكن تعلم هذه العائلات أنها ستكون من أوائل الضحايا، بينما البعض الاخر لم يصدق ما سمع، وعائلة الحاجة كانت من بينهم، فالتزموا منازلهم. "كنت انا صغيرة بعمر الحادية عشر، بدأت أرجف، إلا أن أبي أخذ يهدئ من روعي وأسقاني شربة ماء، وقال لي لا تخافي إنها إشاعات لنهرب من بيوتنا وتبقى لهم"، كان للحاجة رحيمة 7 أخوة وهي الوحيدة بينهم، تعيش بغرفتين تراهم قصرا، فالكثير من الحب والدفء ولد فيهم، "بدأت امي تحكي لنا الحكايات، على ضوء خافت، وأبي ينظر يجهز عدته للخروج لعمله، فجأة إذ بنا نسمع أصوات صراخ وقنابل ورصاص، أغلقنا الباب علينا بإحكام، إلا أن أحد رجال العصابات قد نال منه، وضربه ببارودته واستطاع الدخول الينا، تواريت خلف اخوتي مع أمي، دخل الجندي وابتسم وقال لنا استعدوا للموت، شرب الماء وأطلق وابل من الرصاص في الغرفة دون تركيز، هنا لم أرَ إلا دماءً منتشرة في أنحاء الغرفة، نحو الفراش والملابس، أدركت بعد نوبة الخوف أن 3 من أخوتي قد ذهبوا بعيدا نحو السماء كما قالت لي أمي، فأخي زكريا الذي كان يجلب لي الحلوى كل مساء رأيته ملطخا بالدماء وعيونه تنظر نحو السماء، لكنه لا يزال يمسك بي ويخبئني خلفه، مصدر الأمان لي قد ذهب. وأخي أحمد دائما ما كنت أذهب معه لكي نرعى الأغنام ونجلب العشب، ويروي لي قصصا بطولية، اليوم كنت البطل في القصة يا أحمد، واستشهدت وانت واقفا تماما كما كنت تحلم، أما انت يا علي مدلل أمي رحلت ودموعك على خدك خوفا علينا، كلها دقائق لكن كادت لا تنتهي.

لم تحرك العائلة أي ساكن، فقد كانوا ينتظرون الموت كما قال لهم الجندي، فأصواتهم تتعالى في الخارج، يغتصبون النساء، ويقتلون الأطفال. " صوت صديقتي إيمان تصرخ، فجاة سمعت صوت رصاصة وانقطع صوت صراخها، نعم كنت صغيرة لكن أدركت أن الرصاصة دخلت في جسد إيمان، كم مرة سأموت بعد؟".

بعد ساعات وكأنها سنين خرجت العائلة من منزلها وكأنها جثث تمشي، الموت هو سيد الموقف، جثث وأشلاء هنا وهناك، "نمشي ونمشي، هؤلاء الناس كانوا معنا البارحة، ها هي ايمان صديقتي دموعها لا زالت على خديها، ترتدي فستانها المفضل، ها هي جارتنا أم ياسين وأطفالها الستة حولها جثث هامدة، حتى بقرة جارنا أبو اياد لم تسلم منهم، فهي أيضا صاحبة حق مثلنا وتملك هذه الأرض، وأبت أن تخرج منها حتى دفعت روحها ثمنا لأرض عاشت بها وأكلت من نعيمها.

 ممسكة بيد أمي ارتعش خوفا، ما هوّن علي فقدان أخوتي الثلاثة، منظر عائشة وهي تبكي على أمها واخوتها وأبيها فقدتهم كلهم وأصبحت دون أهل، وحيدة تماما. حمدت الله مرارا وتكرارا أنني لا أزال قادرة على مسك يد أمي، وتقبيل جبين أبي، وأربعة من أخوتي لا زالوا معي".

كانت هذه المذبحة مثال مصغر لمذبحة دير ياسين، احترقت الجثث، تم تشويهها واللعب بملامحها كما لعبوا بملامح الأرض التي تأبى النسيان!

اقرأ أيضا