أميرة التي أبصرت بأناملها شغفًا للموسيقى

تم النشر بواسطة: غيداء حموده 2018-05-10 01:05:00

 

بيرزيت أون لاين – غيداء حموده - عزيزي القارئ هذه المادة الصُحُفية سوف تُشعرك بالإلهام، وعليه، هل أنت مستعد؟!

أنا أبصر، وغيري أيضًا يُبصر، لكن ماذا فعلنا؟!

كُثُرٌ سلِبوا نعمة البصر، إلا أنهم قدموا واستفاضوا، ولعل أعينهم رأت ما لم نستطع، في مخيلتهم صنعوا شخوصًا استلهموا عنهم، حتى باتوا مثلهم؛ أحدثكم أعزائي عن واحدة من هؤلاء، تضع بكل روية وهدوء أصابعها على آلة البيانو، وتذهب مبحرًة إلى عالمها الخاص، أسموها "أميرة الألحان"، أعرفتم من هي؟ 

طالبة بكالوريس لغة إنجليزية وآدابها- فرعي ترجمة، في سنتها الدراسية الثانية، من المتفوقين في إمتحان شهادة الثانوية العامة، تعزف لبيتهوفن، وتغني الأوبرا، وجملة من الِخصال اجتمعت في شخصية زميلتنا أميرة أبو عرقوب. وفي حال كنت تمشي بين أزقة جامعة بيرزيت وسمعت ألحانًا هنا وهناك فهي على الأغلب أميرة، أو لطلبة برنامج الموسيقى.

رأيتها مرات عدة في بهو كلية الآداب، إلا أنني لم أكن على دراية أن لهذا الجسد قدرة على اكتناز إبداٍع لا نعرفه. إذن، كيف استوقفتني هذه الحكاية؟

 تقى حنون وسجود حسين، خريجتان حديثتان من دائرة الإعلام، أخذتا مساقًا متخصصًا في الأفلام الوثائقية، بحثتا باستفاضة عن أفكار مختلفة، وقصص تستحق التوثيق، وعلى ما يبدو هذه هي العملية الأصعب في مثل هذا النوع من الأفلام. في أحد الأيام، وعن طريق الصدفة، قررتا الذهاب إلى مختبر ذوي الإعاقة وهو وحدة إدارية تابعة للجنة الإحتياجات الخاصة في الجامعة، يعتمد وبشكٍل أساسي على المساعدة التطوعية البحتة، وعلى حد وصف تقى " بدأنا نستفسر عن هذه الكنوز البشرية التي تمشي على الأرض"، هناك جلست أميرة الباسمة، تبادلن أطراف الحديث، وأخذتا بالتعرف عليها، وأبدت إيجابيتها منذ لحظات التعارف الأولى.

الفلم لا يقوم فقط على الفكرة بقدر أهميتها، وإنما بقدر تركيزه على مراحل مفصلية في حياة أي شخص، من هنا وُلد هذا الوثائقي الذي حمل عُنوان " أميرة الألحان" في بداياته تظهر هذه الأميرة جالسة تحلق بين ثنايا ألحان البيانو، تقى وسجود تناوبن على التقاط المشاهد بإسهاب، بمعداتهن البسيطة، ونظرتهم الإخراجية رأت هذه الدقائق التي حاربتا من أجلها النور، ومنها تلمس أن أميرة لسيت الوحيدة المتفردة في حكايتها وإنما ذويها، وعلى رأسهم والدتها، التي وكأي أمْ كافحت لأجل ابنتها، إذ لم يكن هنالك أي أحد من أفراد أسرتها كفيفًا.

وبالعودة إلى مخرجتينا اللاتي ناضلن أيضًا لللإبقاء على عفوية الصوت والصورة، وصدقهما، لم تجمهعن خبرة سابقة، وإنما انطلقتا متكلين على الشغف، وبطلة قصتهن التي ما بين البيت، الجامعة، والمختبر، تجدها بثغٍر تعلوه البسمة.

قد لا تكون أميرة محترفة، إلا أنها تعلمت العزف في مؤسسة "بارين بويم- سعيد"، وفيه أخبرها صوتها أنه يصل لطبقة أوبرالية! هي الإنجازات لا تُحصد إلا وكافة حواسنا تعمل دون كلل، فما بالك عند فقدك إحداها؟!، أميرة كانت أول من يقدم امتحان شهادة الثانوية العامة عن طريق  جهاز حاسوٍب ناطق، تنقلت ما بين مدرسة "هيلين كيلير" للمكفوفين، حيث أنهت المرحلة الأساسية فقط، وكانت الأولى على فروع المدرسة في مسابقة "التهجئة"، أما الإعدادية، ومنها إلى الثانوية، فتخرجت من مدرسة اللوثري، وعليه يمكننا الفهم أن نقص الكتب المطبوعة على هيئة "برايل" لم تمنعها عن الوصول إلى الوجهة التي تشاء.

و في الختام نقول أن هذا الوثائقي نتاجَ الفكرِ المشترك؛ بدءًا من المونتاج، ووقوفًا عند تفريغ النصوص، والمحاولات العتيدة لعدم تعدي الوقت المتفق عليه أكاديميًا، والإبقاء على التفاصيل كما هي. ولأن النهايات ليست إلا تمهيدًا لبدايات ما كانت بحسباننا، يحصد الفلم المرتبة الثالثة في مهرجان "قناديل السنيمائي" في دورته الأولى، عن فئة الأفلام الوثائقية، إلى جانب الفئات المتبقية وهي الرسوم المتحركة، والروائية.

الفكرة لا تموت، والإصرار على المضي قدمًا بها يُحيها المرة تلو المرة؛ ومن هنا تطمح كل من سجود وتقى للمشاركة في مسابقات  أخرى على غرار المهرجان، ومنها إلى السعي وراء نشره عبر منصات إعلامية كبرى، من يدري فقد يكون مصدر إلهاٍم لدى الكثيرين.

الاستفادة بالنسبة لكلتيهما ليست أكاديمية على حٍد سواء، إذ كانت بمثابة الإضافة النوعية، وكما حدثتني تقى يمكن للوثائقي أن يصل مراحلَ لا يُهتدى إليها بتقريٍر إخباري.
أميرة سارت على نهج بيتهوفن الذي لم يكن يسمع، وأندريا بوتشيلي -الكفيف- الذي رأى العالم عبر حنجرته الأوبرالية، وأنت ماذا تنتظر؟

 

اقرأ أيضا