الصحافة الاستقصائية في فلسطين، الحاضر الغائب

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2018-02-08 01:02:00

بيرزيت أون لاين - حاتم سالم - لم يعد أداء وسائل الإعلام يقاس بتكامل دوائرها أو باكتمال خطتها البرامجية، أو ضمان جودة إنتاجها الإعلامي عبر مراعاة دقة الأخبار ووجاهة المعلومات التي تنشرها ومهنية التغطية فحسب، وإنما بات أداؤها يقاس أيضًا بمسؤوليتها في تعظيم وتعزيز الفرص التي تجعلها منصات للتنوير والوعي، عبر الكشف عن الحقائق التي يراد لها أن تظل مستترة ولا يتاح للرأي العام الاطلاع عليها، فتؤدي بذلك دور "السلطة الرابعة" التي تضع المسؤولين السياسيين والفاعلين في مواقعهم المختلفة تحت مجهر الرصد، وتراقب أداء السلطة وتحقق في الأخطاء والسلوكيات التي قد تتخطى حدود القانون.

ويعني ذلك اشتغال وسائل الإعلام بمنطق السلطة الرقابية وضوابطها المعيارية الكاشفة لأي تجاوزات في ممارسة السلطة أو انتهاكات حقوق الأفراد والجماعات، لتكون رقيبة على مدخلات ومخرجات المؤسسات السياسية والمجتمعية، وتبرز مظاهر القصور في أدائها.

ويتجسد هذا الدور الرقابي بالصحافة الاستقصائية التي تتسع دوائرها في الإعلام التقليدي، بل يتعاظم الاهتمام بها أيضًا على شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت منصات للأخبار جاعلةً وسائل الإعلام أكثر تفاعليةً وثراءً، إذ عززت العمل الاستقصائي عبر الحصول على المعلومات والوصول إلى جمهور واسع.

وقال مسؤول قسم التحقيقات في جريدة الحياة الجديدة منتصر حمدان لـبيرزيت أونلاين، إن ضعف الصحافة في فلسطين يرجع إلى اعتقاد المسؤولين في المؤسسات الرسمية أن التدفق السهل للمعلومات قد يلحق ضرراً في التوجهات السياسية للقيادة الفلسطينية، بالإضافة إلى غياب السياسات التحريرية الواضحة في المؤسسات الإعلامية، الأمر الذي يُشكل عقبة أمام حرية الصحافة.

وأضاف حمدان إن أهمية خروج التحقيقات الاستقصائية من عباءة ورعاية بعض المؤسسات المحدودة على مستوى الوطن العربي إلى أن تصبح موجودة في كل مؤسسة إعلامية وخاصةً الفلسطينية منها والتركيز من خلالها على قضايا لا يتناولها الإعلام والدخول في معترك كشف الفساد السياسي وليس التركيز فقط على قضايا مجتمعية.

وحسب حمدان، فهو يرى ضرورة مأسسة العمل الصحفي ووضع معايير واضحة لمن يتبوء المناصب ويقود العمل الصحفي، بالإضافة إلى ضرورة تحديد موازنة واضحة لقطاع الإعلام، مشيراً إلى أنه يجب العمل بطريقة متكاملة ومترابطة لتطوير منظومة العمل وفق إستراتيجيات واضحة، من أجل القيام بالصحافة الحقيقية التي تخدم المجتمع والنظام السياسي والتوجهات السياسية لشعب يعيش تحت الاحتلال.

الصحافة الاستقصائية في فلسطين ليست كمثيلاتها العربية والدولية، إذ تعاني من حالة من الجمود والضعف وقلة التحقيقات الاستقصائية، وذلك يعود لضعف تدفق المعلومات، وفقدان الضابط القانوني لهذا التدفق، كما أن السياسات في المؤسسات الإعلامية لها دور في ضعف الإعلام والحد من دوره كسلطة رابعة رقابية على السلطات الثلاث.

ويقول مدير التحرير في جريدة الأيام الدكتور عبد الناصر النجار:" إن الصحافة الفلسطينية تعاني من إشكالية ضعف التحقيقات الإستقصائية والكشف عن قضايا الفساد، وهذا يعود إلى ثلاثة أسباب، أولها عدم وجود قانون حق الوصول إلى المعلومات وبالتالي لا يوجد ما يُلزم أي شخص أن يُفصح عن ما لديه من وثائق وبيانات، وهذا يؤدي إلى ندرة المعلومات المتاحة، بالإضافة إلى فقدان البيئة الديمقراطية في ظل نظام سلطوي وغياب الحماية للصحفيين، حيث أنه يصبح عند الصحفي رقابة ذاتية حتى لا يتعرض للإعتداء أو الإيذاء، وايضاً ضعف التمويل والإمكانيات المادية لدى المؤسسات الإعلامية لتغطية تكاليف هذه التحقيقات.

ويتفق النجار مع زميله حمدان، بأن الصحافة الفلسطينية لا تقوم بالكشف عن المعلومات بل تقوم بعملية نقلها فقط، وبالتالي ضعف دورها كسلطة رابعة.

أما فيما يتعلق بقانون حق الوصول إلى المعلومات، فإن النجار يعتقد أن عدم وجود هذا القانون لا يؤثر على ضعف التحقيقات الاستقصائية، حيث أنه على الرغم من عدم وجود  القانون نرى العديد من المؤسسات تقدم معلوماتها وبياناتها.

ويوضح النجار أن هناك إشكالية فيما إذا كان القانون نابعاً من احتياجنا كمجتمع فلسطيني، أم هو مفروض علينا وفقاً لأجندات الدول المانحة، وبالتالي يجب تصويب قانون المطبوعات والنشر، وإقرار قانون الإعلام الشامل، لما له دور في تحديد كيفية استخدام المعلومات التي حصلت عليها في الإطار الصحيح والسليم.

ويتابع النجار حديثه:" قبل عدة سنوات كان هناك تحقيق إستقصائي حول السيارات الحكومية التي تُستعمل في غير مكان عملها، حيث أنه تم تهديد الصحفي الذي كتب التحقيق والضغط عليه وعلى الصحيفة من أجل التراجع عن التحقيق".

وفي السياق ذاته، قالت طالبة الإعلام في جامعة بيرزيت تقى حنون،أنها قامت بعمل تحقيق حول الأخطاء الطبية في مجمع فلسطين الطبي، وقابلت الدكتور أحمد البيتاوي مدير مجمع فلسطين الطبي للتحدث حول وفاة طفل يعاني من مشاكل في التنفس، حيث تم إعلان وفاة الطفل بسبب فصل أجهزة التنفس عنه، من دون وجود أطباء بجانبه، لكن البيتاوي  قابلها بالرفض وعدم التجاوب معها في إعطائها أية معلومات عن الموضوع.

وتقول طالبة الإعلام  بجامعة بيرزيت سماح دولة حول تجربتها في إعداد التحقيق الصحفي، إذ أنها أعدت تحقيقاً حول الأشخاص المقيمين في القدس بلا إقامة رسمية، وقابلت مركز الدفاع عن الفرد "الهيموكيد" الذي رفض التعامل ومعها أو إعطائها أي معلومات بحجة انها مؤسسة لا تتعامل مع الإعلام.

وأكدت مديرة التحرير في وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" على ضرورة وجود قانون حق الوصول إلى المعلومات، الذي يضغط على المسؤولين ويجبرهم على إعطاء المعلومات للصحفي مما يسهل عليه عمل التحقيق ويحميه من المساءلة القانونية.

وأضافت العطاري: "هناك محاولات للكشف عن معلومات في أكثر من وسيلة إعلام ولكن ليست بالصورة المطلوبة، وهذا يرجع إلى عدة أسباب، منها عدم وجود قانون حق الوصول إلى المعلومات، إضافة إلى عدم فهم أو إستيعاب الصحفيين لدورهم الذي يجب عليهم القيام به.

وتوضح عطاري أن العديد من الصحفيين يعتقدون بأن الصحافة الإستقصائية هي صحافة فضائح، لإثبات فساد السياسين والمسؤولين، إذ يجب على الصحفي الإلتزام بأخلاقيات المهنة الصحافية.

وتتابع:" يجب على الصحفي أن يفهم دور الصحافة الإستقصائية، المتمثل بتحقيق الخدمة المجتمعية وكشف الحقيقة بالإثباتات".

وأكد مدير قسم العمليات في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" عصام الحج حسين على أهمية الصحافة الإستقصائية التي تشكل عموداً أساسياً لمكافحة الفساد في أي بلد، لكن هذه الصحافة  مُكبلة بقيود قانونية تتعلق بالتجريم كقانون النشر والمطبوعات، وقانون المرئي والمسموع، وهذه القيود تولد عند الصحفي رقابة ذاتية سلبية، الأمر الذي يجعل التحقيقات غير فعالة وغير غنية بالمعلومات والحقائق، وهذا يشكل نقطة ضعف في الصحافة الاستقصائية.

ويرى حسين أن الصحفيين مرتبطون بالمؤسسات الإعلامية التي يعملون بها وبمصالحها وسياساتها، التي لا تنشر ما يضرها ويضر مصالحها، مشيراً إلى أن الصحافة الإستقصائية تحتاج إلى التمويل الضخم من المؤسسات الإعلامية من أجل القيام  بالتحقيقات.

ويضيف: "ارتفعت نسبة التحقيقات  إلى 10 أضعاف خلال الثلاث سنوات الفائتة، لكن هنالك إشكالية في ضعف المضمون وحجم القضية التي تتناولها هذه التحقيقات". ويشير حسين إلى أنه يوجد مشكلة فيما بعد نشر التحقيق والتي تتمثل بعدم متابعة الصحفي لموضوع تحقيقه  وما حصل من نتائج على أرض الواقع للقضية التي عرضها في التحقيق.

وأكد على ضرورة سن قانون حق الحصول على المعلومة لما له مصلحة لزيادة الرقابة والمساءلة، إضافة إلى ضرورة تمكين قدرات الاعلاميين والصحفيين الإستقصائيين وخبراتهم، لإنتاج تحقيقات إستقصائية بالجودة المطلوبة.

اقرأ أيضا