العداء ثائر شناعة، روح في السماء شاركته نجاح الارض

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2018-01-27 11:01:00

 

بيرزيت اونلاين – فلورا عبد اللطيف – "كانتْ روحو الّي بتركض فيني" الجملة التي غلب عليها ضيقٌ في صوته وتنهيدةٍ قصيرة أبدى فيها ثائر حزنه الذي لم يُنبِت في قلبٍ مثلَ قلبِه إلا قوة.
ثائر شناعة، صاحب الصوت الطفولي رغم سنين عمره التي بلغت سبعة وعشرين، فازَ بالمرتبة الـ198 من بين 45 ألف عدّاء، في أحد أهم مراثونات العالم - مراثون شيكاغو الدولي- في الولايات المتحدة الأمريكية في تشرين الثاني من العام 2017 بعد بضع أيامٍ من وفاةِ والدِهِ بجَلطَةٍ قلبية، رغم أنه كان على وعد بحذاء سحري يخفف الوجع في أقدامه و يمشي به سريعا كما ثائر، فبعد رقوده في المستشفى لأيام اتفق ثائر ووالده على أن يتحسن ويخرج من المشفى مقابل أن يجلب له ثائر الحذاء و الفوز معا في الماراثون، لكنه رَحَلَ ولمْ يَنْتَظِرْ لِيَرى آخرَ حَبةٍ في عُنقودِهِ يَكْسِرُ كُلَّ حواجِزِ الأرقامِ والثواني.

بين الخطين الأبيضين قَطَعَ ثائر 42 كيلو متراً في ساعتين و 44 دقيقة و 33 ثانية، وهو الوقت القياسي الأول على مستوى فلسطين، ركض حتى يصل للنقطة التي بدأ منها حيث نقطة النهاية، لكن شريطاً للذكريات كان يركض في رأسه حينها. لا يعرف نهاية له ولا حتى البداية، سنوات عمره منذ خطواته الأولى قضاها في كنف أب محب له، متفانيٌ لإسعاده. نقش في أبنائه العشرة القدرة على حمل المسؤولية منذ الصغر،  بجديته المازحة وبساطته علمهم كيف يواجهون الحياة وكيف يجعل كل منهم من نفسه سندٌ لا يحيجه لأحد.

حصد ثائر هذا التوقيت القياسي بعد عام واحد فقط من اجتيازه مراثون شيكاغو الدولي الأول له في العام 2016، فاستطاع أن يقلل 15 دقيقة من توقيته القياسي السابق وهو ساعتين و59 دقيقة و57 ثانية ، ثلاث ثوانٍ قبلَ بلوغ الثلاثُ ساعات حَدَدَت مصيرَهُ بأن يُتاحَ لَهُ الرَكْض في أي مراثون في العالم و هو ما كان أهلٌ له حقا. وهو ما أثبته فعلا، إذ ليس من السهل على أي عداء أن يقلل من توقيته 15 دقيقة في فرق سنة واحدة فقط، لاعتبار الركض من أشد أنواع الرياضة مشقة جسديأ وذهنياً لما يحتاجه اللاعب فيها من تركيز حتى يستطيع إكمال مساره بالسرعة المناسبة، فالماراثون الكامل يقدر بمسافة الطريق من مدينة رام الله إلى مدينة بيت لحم، والفارق الإضافي بقصة ثائر

والذي منح الإنجاز طعما خاصاً، أنه ترك الرياضة لمدة أربع سنوات بسبب التواءٍ بقَدَمِهِ اليسرى أثناءَ رَكضِهِ في مسابقةٍ بجامعة خضوري التقنية خلال سنته الدارسية الأخيرة عام 2012.

الأب الصديق لأبنائه، كانَ يعجز عن وصف فرحه عند فوز ثائر في أيّ مسابقةٍ محليةٍ أو دوليةٍ مثل مراثون بيت لحم الدولي الذي حصدَ فيه المرتبةُ الثانية عام 2016.  فيخرج الأب ملوحا بيديه متمنياً أن يري العالم كله البطل الذي أنجبه.

بعفوية مطلقة و بملابس المنزل يخرج ويدق أبواب الجيران، ينادي أصحاب المحلات المجاورة ويهاتف الأقارب، يخبرهم بما فعل ابنه وما حصد من جوائز فيشاركونه فرحته التي لهم منها نصيب كبير، فأهل كفر زيباد جنوب شرق طولكرم يجمعون على فخرهم و إعجابهم به، فقد كانوا يشجعوه و يثنوا على قدراته بمنشورات عبر مواقع التواصل أو مكالمات هاتفية أو صدفة عابرة في الشارع يعود منها بجملة تحفيزية من طفل أو ربما صديق تبعث فيه الابتهاج  تلقائيا.
تلك المشاعرُ ولّدت في نفس ثائر شغفاً لا حدود له لما هو قادمٌ من نجاح؛ لِيَرى الفرح الأكبر، لكن الفرحة لم تكتمل وتجسدت حسرته بعبارة:" كان أبوي بستناني عخط النهاية"، وهي الجملة ذاتها التي منحته العزيمة والقوة والحافز لبلوغ الهدف.
أما والدة ثائر، لا يمر يوما دون أن تهديه كلمات الرضى والتشجيع التي أثمرت فيه حب التحدي يوما بعد يوم، ليكافئ هذه القلوب الواقفة خلفه والعيون المترقبة لخطاه، تخبره والدته على الدوام عن إيمانها العميق به، كما كانت في أيام المسابقات تدهن أقدامه بزيت الزيتون الذي يغلب فيه الحب على الزيتون والحنان على الزيت، ورغم آلام ركبتيها فقد كانت على استعداد لتهبه كل ما تملك لتحقيق حلمه.

في تلك الليلة حاولت أن تَمْنَحُهُ سَنَدَ الأمِ و الأبِ معاً، لم تتركه يخضعُ لَحُزْنِهِ . "يما أوعك ما تسافر"، أيقظته  فجراً، وأعدت له كوبا من الشاي وشيء صغير تناوله وسط صمتهما. بدأت الاتصالات تتوالى من أقرباءه وأصدقاءه الذين اجتمعوا على نفس الهدف و كلُ من آمن بثائر حتى تمكنوا من إقناعه بالسفر.

بداية رحلة الحلم

 ودع ثائر إخوته التسعة  وقبّل يدي أمه طالبا دعواتها ماسحا بيديه دمعها و في قلبه وعد لها بأن يعيد البسمة لثغرها، فمن وحيِ الألم صنعت لهُ مجدا و دفعته ليناله.

جاء اليوم المنتظر بعد أربعة أيام من سفره، نزل الى الشارع المعد للسباق، ووقف في المكان المحدد للعدائين المحترفين وفقا لنتيجته في العام الماضي، أخذ وضعية الاستعداد، ومع صافرةِ البدءِ دقَ قلبَهُ مثلما لم يَدُق من قبل، فقد جاء هنا تاركا جراحهُ و جراحَ عائلتهُ وراءَ ظهرهِ فلم يرضى بثمن لذلك إلا الوصول.
في أرض السباق من عينيهِ سالت الدموع فملأت وجهَ لاعبٍ اعتادَ العالمَ مِنْ حَولِهِ على رُؤيَتِهِ مبتلاً بعرقِ الشغف. رأى ثائر الفوز العظيم ورأى الحلم ولم يرَ والده، نظر في وجوه الآلاف المؤلفة لعله يجده بينهم يزاحمهم الفرح و ما حصلت عيناه على مبتغاها.

 روحٌ صَعَدَت للسماء فكانت النبضُ لقلبِهِ وكل جسده فشكرَها بسجدةٍ على بعدِ أمتارٍ من مربعاتٍ لُوِّنَت بالأبيضِ و الأسود و أعلنَت للعالم بدعسات أقدامه انتصارهُ وتحقيق حلمه وحلم أبيه.

اقرأ أيضا