فلسطين تواجه غول الاستيطان

تم النشر بواسطة: Jehad qaq 2018-01-13 03:01:00

 بيرزيت اون لاين - جهاد القاق – لم يعد يتمكن المواطن محمود فوزي الحاج من قرية جالود شمال الضفة الغربية، من الذهاب إلى أرضه التي ابتلعها الاستيطان، تلك الارض التي اعتاد محمود على زراعتها ولمس ترابها بعد أن أمضى طفولته فيها برفقة والده، حيث كان حلمه بأن يُربي أولاده على حُب أرضهم كما تعلم ذلك من والده، ولكنه لم يكن يعلم أن في ليلة وضحاها، ستكون أرضه تحت يد المشاريع الاستيطانية التي تنتشر على الأرض الفلسطينية يوما بعد يوم.

حال محمود كحال آلاف الفلسطينيين الذين فقدوا أراضيهم وألتهمها طاعون الاستيطان، فمنذ منح بلفور وعده لليهود في فلسطين، بدأت هجرة اليهود إلى فلسطين بالتزايد والأرض الفلسطينية بالتناقص. المخطط الصهيوني القائم على استيطان الارض الفلسطينية يسعى الاحتلال من خلاله إلى تغيير الحالة الديموغرافية والجغرافية للأرض من خلال الاستيطان الذي يعتبر حجر الأساس في إقامة الكيان الإسرائيلي.

تمزيق جديد

إلى الشرق من قرية جالود، جنوب مدينة نابلس، تتجه انظار الكيان الإسرائيلي إلى بناء مستوطنة جديدة في هذه المنطقة، وحسب المخطط للمستوطنة فإنها ستقطع الامتداد الجغرافي ما بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، لتكون هذه اول مستوطنة جديدة يتم انشاءها بقرار رسمي من الحكومة الاسرائيلية منذ ما يقارب ال20 عاماً، حيث تم تخصيص ما يقارب الـ17 مليون دولار من ميزانية الحكومة لبدء إنشاء المرافق الأساسية.

رئيس مجلس قروي جالود عبد الله الحاج قال إن 80% من اراضي قرية جالود تم مصادرتها وكانت ضحية لهذا المخطط الاستيطاني، و أن قرار الحكومة الإسرائيلية ببناء مستوطنة جديدة في المنطقة  يقضى على الأراضي الزراعية والتي تعتاش منها عشرات العائلات بالقرية، كما ستعمل هذه المستوطنة على ربط المستوطنات الموجودة في المنطقة.

وحول دور السلطة الفلسطينية، قال الحاج بأنه لا يوجد أي اهتمام من كافة الجهات الرسمية، وأن المجلس والمواطنين يواجهون هذا القرار منفردين، بل إنه لم يصل أي مسؤول فلسطيني إلى المنطقة حتى يطلع على الانتهاكات الاسرائيلية، في حين أن صدى مخطط المستوطنة  أخذ أبعاده حتى على المستوى الدولي، كما أن وزراء إسرائيليين إلى الأرض وموقع البناء. وأوضح الحاج أن القرار يتحدث عن مصادرة ما يقارب 250 دونم، ومن المخطط ان تصل الى 800 وحدة إستيطانية.

مسؤول ملف الاستيطان في الحكومة الفلسطينية غسان دغلس، اعتبر أن قرار الحكومة الاسرائيلية ببناء مستوطة جديدة على أراضي المواطنين الخاصة في قرية جالود لم يأت من فراغ، فهو بديل لمستوطني البؤرة الاستيطانية "عمونا" الواقعة قرب سلواد شرق رام الله، والتي تم إخلاءها قبل عدة أشهر، في حين وعدهم نتنياهو بإقامة مستوطنة جديدة لهم بالاضافة الى دفع تعويضات، غضافة إلى إقرارهم لمئات الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية.

وبلغة الأرقام، يقول رئيس دائرة الخرائط ونظم المعلومات في جمعية الدراسات العربية، خليل التفكجي إن نحو ٨٥٪ من المستوطنين اليهود يسكنون حول مدينة القدس، وحول منطقة غرب رام الله، وجنوب غرب نابلس. إذ يعيش في الضفة الغربية والقدس الشرقية أكثر من ٤٣٠ ألف مستوطن إسرائيلي، في ١٥٩ مستوطنة، بحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

وأشارت الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصاء، في معطيات نشرتها منتصف العام 2017، أن هنالك ارتفاعاً وصل إلى 70,4% في عدد الوحدات الاستيطانية التي بدأ العمل على بنائها في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة.

قضية الاستيطان تعد من أهم العقبات في وجه المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، حيث تعمل دولة الاحتلال على المحافظة على المستوطنات بإعتبارها عمودا فقريا، إضافة إلى الإجماع داخل "إسرائيل" بأن المستوطنات تشكل مورداً استراتيجياً يجب الحفاظ عليه، ولكن وفي الوقت نفسه يشكل الاستيطان عامل انقسام داخل القوى السياسية في اسرائيل، فترى احزاب الوسط واليسار امكانية وجود مستوطنات داخل الدولة الفلسطينية مقابل عدم تفكيكها، وتعزيز المستوطنات في غور الاردن وحول القدس، ولكن احزاب اليمين ترى ضرورة تعزيز المستوطنات داخل التجمعات الفلسطينية، مع البحث عن دور وظيفي للفلسطينيين في إدارة شؤونهم المدنية دون السيطرة على الأرض والموارد الطبيعية، ولذلك أقيمت الطرق الالتفافية حول المستوطنات وربطتها ببعضها البعض.

الاستيطان أمام العالم

وتعتبر المستوطنات حسب القانون الدولي مناقضة لكل المبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ورغم صدور مجموعة من القرارات الدولية ضد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، والمطالبة بتفيكيها ووقف بناءها، إلا أن دولة الاحتلال لم تلتفت حتى إلى هذه القرارات وواصلت عملها بالمستوطنات بوتيرة أعلى.

فرغم القرار رقم (2334) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 23 كانون أول/ ديسمبر من العام 2017، والذي طالب بوقف فوري وكامل للاستيطان بالضفة والقدس، أكد وزراء إسرائيليين وأعضاء في الكنيست أن القرار لن يردع إسرائيل عن مواصلة التوسع الاستيطاني، وأن لا قيمة للقرار، خاصة بعد وقوف أمريكا بالفيتو إلى جانب دولة الاحتلال. 

وحول وضع الاستيطان بالقانون الدولي، أكد استاذ القانون في جامعة بيرزيت ياسر العموري، أن الموقف القانوني إزاء الاستيطان واضح وصريح بأن المستوطنات تشكل انتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي الانساني، وبموجب اتفاقية جنيف الرابعة فإن هذا الاستيطان يرقى إلى درجة جرائم الحرب، كما أن قرارات الأمم المتحدة تحدثت بشكل واضح وصريح بأن الاستيطان الإسرائيلي يشكل انتهاك واضح للقانون الدولي.

وأضاف العموري بأن هذه القرارت الدولية بخصوص الاستيطان واضحة ولكنها بحاجة إلى من يفعلها ويعمل على تنفيذها، فالقانون الدولي لا يفُعل نفسه بنفسه وهو كأي قانون آخر بحاجة إلى أشخاص أو جهات معنية لتحريك هذا القانون.

وأوضح العموري أن على الساسة الفلسطينيين أن يعملوا لوضع القرارات الرافضة للاستيطان موضع التنفيذ، سواء كان ذلك في المنظمات الدولية أو أمام القضاء الدولي، لا سيما بعد أن أضحت فلسطين عضواً في محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي القانون الدولي سلاح يجب على السلطة إيجاد إستخدامه حتى يؤتي ثماره.

وتابع العموري أن اسرائيل تعمل على فرض سياسة الأمر الواقع، وهي لن تُردع إلا أذا ما سُوئلت وعوقبت ووصلت إلى درجة تدفع ثمن تجاوزتها وانتهاكاتها الدولية، وبالتالي فهي ستردع إذا علمت أنها سوف تحاسب "فمن امن العقاب أساء الأدب".

 

اقرأ أيضا