لماذا نترجم الإعلام العبري؟

تم النشر بواسطة: ابراهيم أبو صفية 2018-01-24 03:01:00

 

بيرزيت اونلاين - إبراهيم أبو صفية - تمثّل الصحافة غالباً إنعكاساَ صورياَ للرأي العام والمحيط الذي تعمل فيه، وبالتالي فإن الصحافة هي ماسح للبيئة الموجودة فيها على المستوى الفكري والثقافي والاجتماعي وعلى مستوى الاهتمامات والتوجهات بالإضافة لكونها مصدر للمعلومة.

والإعلام العبري هو جزء لا يتجزأ من خطاب دولة الاحتلال، إذ يعلق المترجم عن الصحافة العبرية بصحيفة الحدث محمد بدر إن دولة الاحتلال تفرض على هذا الإعلام الكثير من الرقابة خاصة فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني تحت بند "الأمن القومي"، وبالتالي فإننا لا يمكن أن نتخيل أن هذا الإعلام  كإعلام ديمقراطي وشفاف ويسعى لنقل الحقيقة، وحتى المصطلحات التي ينتقيها هذا الإعلام، هي أيضا مصطلحات مؤدلجة وتحمل طابع استعماري، فمثلا يصف المقاومين بالمخربين، ويصف فلسطينيي الداخل بالعرب دون الإشارة لفلسطينيتهم، وذلك لنزع الهوية الوطنية عنهم والتعامل معهم كأقلية عرقية فقط.

لماذا الترجمة من الصحافة "الإسرائيلية" ومراكز الأبحاث؟

يضيف بدر: "أن ذلك يساعدنا في تفكيك الخطاب الإسرائيلي، وفهم بنيته الأساسية، خاصة وأن هذا الخطاب عاملٌ أساسي في تشكيل الرأي العام الذي بدوره يؤثر بشكل كبير في السياسات والعملية قد تكون عكسية". وبكل الأحوال فإن هذا الأمر يؤثر على الفلسطينيين كضحايا لهذا الخطاب وما ينتج من سياسات. كما أن الدراية والإحاطة النسبية بما يدور في دولة الاحتلال، يعتبر قوة معرفية على قاعدة أن المعلومة قوة، لأن المعلومة حجر الزاوية في التنظير والتفسير والسرد.

وحول متابعة مراكز الأبحاث "الإسرائيلية" وما يصدر عنها من دراسات، يقول المختص بترجمة الصحافة " الإسرائيلية" عصمت منصور أنه يضعنا في صورة ما تفكر به النخبة "الإسرائيلية" ، خاصة وأن معظم الباحثين في هذه المراكز كانوا مسؤولين سابقين في المستويات الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال، والنخبة في "إسرائيل" لا تتغير كثيرا وتحافظ على حالة استقرار نسبي، وبالتالي فإن منهج دراسة النخبة من خلال هذه المراكز قد يكون مجديا في فهم الإستراتيجيات الإسرائيلية على المدى القريب والبعيد.

ويردف منصور بالنسبة لمتابعة وترجمة التقارير والأخبار والمقالات من الصحف والمواقع الإخبارية، "إن هذا الأمر يساعدنا على فهم آني لما يحدث في "المجتمع الإسرائيلي" وفي دولة الاحتلال، فقبل استكمال الاحتلال في العام 1967 نشر أحد قادة "إسرائيل" خطة تتناول السبل لتكريس الاحتلال وكذلك الخطط للطريقة التي يجب من خلالها أن يتم الاحتلال، وبعدها تم الاحتلال بنفس الطريقة وبنجاح، قال هذا القائد: كنت متأكدا أن أحدا لن يقرأها، هذه الجملة لوحدها دافع باتجاه الترجمة ومن خلال أجندة وطنية". ووضح منصور أن "ثيودور هرتزل" المؤسس الحقيقي للصهيونية الحديثة، هو صحفي نمساوي يهودي.

للإعلام أهمية كبرى في تحصين وبناء الدول، لذلك انتبه مؤسسو دولة الاحتلال لدور الإعلام منذ هرتزل لكنهم تعاملوا معه قبل تأسيس الكيان كأحد أهم أدوات بناء الدولة. وليس سرا أنه قبل عام 1948 أنشأت الحركة الصهيونية إذاعة موجهة للشعب اليهودي وأخذت تطبع 14 صحيفة بينها 4 ناطقة بالعربية، ومن بين هذه الصحف اثنتان على الأقل تعد اليوم مرجعاً للأخبار التي تخص "إسرائيل" في العالم، وهما صحيفتا "هآرتس ، ويديعوت أحرونوت"، فقد صدرت صحيفة " هآرتس " عام 1919، فيما صدرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عام 1939، وصحيفة "معاريف" عام 1948.

ودعا منصور إلى إنشاء مؤسسة إعلامية تقوم بترجمة الإعلام العبري وتصريحات قياداتهم، وتكون هذه المؤسسة قادرة على تحوير خطاب الإعلام "الإسرائيلي" بما يتناسب مع قضيتنا، مثلا تعديل المصطلحات التي يبثها، وتحليل الخطابات والأبحاث، إضافة إلى قيام هذه المؤسسة بترجمة الأخبار العربية وتصريحات القادة والمسؤولين الفلسطينيين، وبثها في داخل الكيان، مطالبا بتبني مشروع مثل هذه المؤسسة وعدم الاقتصار على مترجمين ومختصين يتوزعون على عدة صحف وتهدر طاقاتهم، فهؤلاء يجب أن تشكل منهم جبهة موحدة.

أما بالنسبة للإعلام المجتمعي "الإسرائيلي" وكيف أصبحت المخابرات وقيادة الجيش تستغله في مخاطبة الفلسطينيين، وفي مراجعة قصيرة لصفحة "المنسق" تظهر إلى أي حد تتدخل الإدارة المدنية في حياة الفلسطينيين الذين يفترض أن السلطة الفلسطينية هي من تحكمهم. وفي إحدى التغريديات يكتب المنسق "مردخاي" حول الاستعدادات لأعياد المسلمين والمسيحيين، واعتماد إجراءات استثنائية من أجل المسلمين وزيارتهم للأقصى وأقاربهم في الداخل المحتل، كما يعلن اتفاقات متعلقة بتطوير خدمات البريد الفلسطيني، ناهيك عن إغلاق وفتح طرق رئيسية وفرعية في الضفة الغربية، وفتح حواجز وإغلاق أخرى، وإعطاء تصاريح وسحب أخرى وتحديد شروط التنقل إلى الداخل المحتل أو غزة ومن غزة كذلك، فهذا الإعلام أصبح يمثل روابط قرى الكترونية، ويحد من صلاحيات السلطة، ولذلك حذر منه المسؤولين وبينهم الرئيس محمود عباس أن "إسرائيل" تحول السلطة الفلسطينية إلى سلطة بلا سلطة وأن هذا الوضع لا يمكن له أن يستمر.

ويعلق الكاتب والمحرر في الشؤون " الإسرائيلية علاء الريماوي أن هذا الإعلام مترجم وهو مقدم كوجبة جاهزة غير منقى، فالأخبار التي يترجمها الصحفيون المختصون في الشؤون الإسرائيلية، بداية يعالجونها وينقونها من الشوائب التي تؤثر على فكر المجتمع والرأي العام. وأضاف أن هذه الصفحات هي التفاف على القنوات الرسمية التي يجب أن يتعامل معها الشعب في حال اضطر للتعامل، مثل أنها تقصي دور "مكتب الارتباط" ومكتب العمل، غير تدخلاتها في حياة المواطنين اليومية فيما يتعلق بأحوال الطرق والحديث مع الناس مباشرة دون الرجوع لبلدياتهم.

إن خطاب الإعلام "الإسرائيلي" من المفترض مواجهته بإعلام وطني قادر على تقديم المعلومة بمصداقية ودقة عالية، حتى لا يتسنى لأحد من الجمهور الاعتماد على أخبار الصحافة العبرية رغم أهميتها من ناحية تحليلية لكشف نوايا الاحتلال.

 

 

اقرأ أيضا