غسان الخطيب: لن يكون هناك انتفاضة ثالثة لعدم وجود قيادة شعبية

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2017-12-19 08:12:00

بيرزيت اونلاين - عبدالقادر ذويب - يعد غسان الخطيب (مواليد عام 1954) أحد الممثلين عن حزب الشعب الفلسطيني في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987). وفي الذكرى الثلاثين للانتفاضة الأولى التي يصادف حلولها أوضاعاً صعبة في الساحة الفلسطينية إثر اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، قمنا بإجراء هذه المقابلة معه حول الانتفاضة الأولى وكيف يمكن الحديث عما يحدث في الأيام الحالية:

  • إن طلبت منك أن تصف الانتفاضة الأولى بجملة، ماذا ستقول؟
  • نحن نسمّيها "الانتفاضة الكبرى" لأننا نعتقد أنها كانت حدثا استثنائيا في تاريخ الشعب الفلسطيني، وأنا على سبيل المثال أعتقد أنها الأداة الأكثر نجاحا في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني منذ نشأت القضية الفلسطينية.
  • بماذا تميّزت الانتفاضة الأولى حتى تكون الأكثر نجاحا في التاريخ الفلسطيني؟
  • أولا: كانت شاملة لكل الفئات المجتمعية، شارك فيها الكبار والصغار والرجال والنساء، وشارك فيها الأغنياء والفقراء.
  • ثانيا: كانت تعم المناطق الفلسطينية المختلفة، في المدن والقرى والمخيمات، وكذلك في جميع الضفة الغربية وقطاع غزة.
  • ثالثا: استطاعت هذه الانتفاضة أن تحافظ على استمراريتها، فتمكنت من التواصل والغليان لسنوات، على عكس مجموعة كبيرة من الانتفاضات الفلسطينية القصيرة.
  • رابعا: حافظت على نمط العمل السلمي، وهذه ميزة هامة، لأنه في كل المرات التي كان الكفاح الوطني الفلسطينية ينجر إلى العمل العسكري، كان عمليا ينتقل للملعب "الإسرائيلي" لتفوقها في هذا المجال.
  • أعتذر للمقاطعة، ولكن ألا تظن أن سلمية الانتفاضة في تلك المرحلة كان ينبع من عدم توفر الأدوات المناسبة، لأنه عندما توفرت الأدوات في مرحلة لاحقة، وُجد مجموعات عسكرية كـ "الفهود السود" و"النسر الأحمر" في غزة وجنين ونابلس؟
  • هذه الجماعات كانت شكلا من أشكال تراجع وضعف الانتفاضة!، لأنه لا يمكن الجمع بين العمل الشعبي والعمل العسكري. بالإضافة أنه كان بالإمكان توفر الأسلحة من البداية، وحتّى قبل الانتفاضة.

ولكن القيادة الفلسطينية في الأراضي المحتلة ارتأت أن هذه الانتفاضة يجب أن تكون سلمية، وفقط بعد ضعف الانتفاضة وضعف قيادتها بدأ يظهر خروج عن هذا الخط. لذا الطابع السلمي للانتفاضة لم يكن سببه عدم توفر الأسلحة وإنما قرار سياسي. وكان هناك توجيه لأفراد التنظيمات المختلفة بعدم استخدام الخيار العسكري، لعدم تقديم ذريعة "لإسرائيل" لتبطش في الشعب الفلسطيني والانتفاضة، وهذا حيّد السلاح "الإسرائيلي"، وأعطى ميزة أخلاقية للشعب الفلسطيني.

في تاريخ القضية الفلسطينية كانت أكثر مرحلة مكنت الشعب الفلسطيني من تحقيق تقدم في مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية والإعلامية، هي فترة الانتفاضة الأولى، بسبب هذا الطابع السلمي للانتفاضة.

  • هكذا نكون قد تحدثنا عن أربع سمات للانتفاضة الأولى، هل تبقى سمات أخرى؟
  • نعم، السمة الخامسة هي: وضوح المطالب السياسية، فكانت من اللحظة الأولى وحتى الأخيرة - إذا تتبعنا بياناتها واجتماعاتها - كانت واضحة المعالم من الناحية السياسية، وهذه المطالب معروفة، منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، انهاء الاحتلال من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67، وحق عودة اللاجئين.

وعلى هذا الأساس كان يتم معالجة القضايا السياسية الفرعية، مثل المبادرات الأمريكية، أو المبعوثين من شتى المناطق.

أما السمة الأخيرة فهي الوحدة، كان هناك قيادة موحدة مكونة من ممثلي الفصائل الأربعة الرئيسية في حينها: فتح، والجبهة الشعبية، وحزب الشعب، والجبهة الديموقراطية.

  • دائما ما يطرح موضوع "الخلافات بين القيادة الوطنية الموحدة في الداخل مع القيادة في الخارج"، ما مدى صحة وعمق هذه الخلافات.
  • بالمناسبة أنا أحضّر لبحث قريبا سينشر حول الموضوع، يمكن الحديث حول شكلين من العلاقة جمعت بين الداخل والخارج.

الأول هو التكاملي، أي أن القيادة في الخارج دعمت الانتفاضة في البداية دعما كبيرا جدا، ووفرت لها منابر إعلامية ودبلوماسية في الخارج، أي ما كان ينقصنا هنا، بالإضافة للدعم المالي والمعنوي. وجندت دعما عربيا شعبيا، وهذا ما أعطى زخما كبيرا للانتفاضة من البداية.

بالمقابل الانتفاضة أنقذت المنظمة من الانهيار، لأنها كانت تعاني من هزائم متتالية لحقت بها في الأردن ولبنان ومن ثم أبعدت إلى تونس. وبالتالي تم تهميش المنظمة وتجفيف منابعها المالية وتجاهلها دبلوماسيا. بعد هذا جاءت الانتفاضة بزخم هائل، وببرنامج سياسي يقول منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وهذا ما نشل الانتفاضة، وأعاد لها عافيتها.

  • ولكن فيما بعد تم اعتبار أن القيادة في الخارج هيمنت على الانتفاضة، وأنت شخصيا انسحبت من مفاوضات مدريد احتجاجا على هذا الأمر.
  • هذا الأمر هو ما شكل العلاقة الثانية التي ربطت الداخل والخارج، ففي مراحل لاحقة من الانتفاضة، بدأ الخارج يحاول التحكم بتفاصيل الانتفاضة.
  • كيف؟
  • تفاصيل العمل اليومي، التدخل في صياغة البيانات، وما يكتب فيه من الناحية السياسية. ومن الأمثلة على ذلك: أن القيادة في الداخل طلبت من الأعضاء الفلسطينيين في البرلمان الأردني أن يقدموا استقالتهم، وهذا ما أغضب القيادة في الخارج.

أما قضية العراق، فالقيادة في الخارج كانت تميل لتأييد صدام حسين، أما قيادة الانتفاضة في الداخل كانت تقف ضد احتلال للكويت، لأن هذا محرج للفلسطينيين، فهم تحت الاحتلال، فكيف يؤيدون احتلالا آخر؟

  • لكي نكون أكثر وضوحا، هل كانت القيادة في الداخل تريد الحياد أم الوقوف ضد هذا التصرّف؟
  • كنّا ضد هذا التصرف، ولكن في الوقت ذاته، ضد الحل الأمريكي العسكري، الذي كانوا يحضرون له، أما في الخارج فأرادوا أن يظهر الموقف الفلسطيني مؤيدا لصدام حسين.
  • هل كانت هناك تباينات بين قيادتي الداخل والخارج فيما يخص مصير الانتفاضة بشكل عام؟
  • قبل أكثر من سنة على بداية عملية السلام بقيادة الأمريكان، بدأت زيارات أمريكية للتحضير لها، فقام وزير الخارجية الأمريكية بـ 18 زيارة لفلسطين، ففي هذا السياق كان هناك تباينات أيضا، فالقيادة الخارجية ظنت أن هذه فرصة مناسبة للاعتراف بالمنظمة، أما القيادة في الداخل، فكانت حذرة وغير مؤيدة للموضوع.

هذا ما صنع شعورا بأن القيادة في الخارج تريد استعمال الانتفاضة كوسيلة لتحقيق مكاسب دبلوماسية، يمكن أن تكون على حساب الانتفاضة، وهذا التباين وصل ذروته أثناء عملية السلام. فأثناء مفاوضات أوسلو مثلا، تم استبعاد الداخل بشكل كامل، ولم يُعلم حتى الداخل بهذه المفاوضات.

علاقة الانتفاضة الأولى بجامعة بيرزيت

  • كيف ساهمت جامعة بيرزيت في الانتفاضة الأولى؟
  • جمعت بين الانتفاضة والجامعة علاقة قوية جدا، وضعيفة جدا. فبعد أشهر من الانتفاضة قام الاحتلال بإغلاق جامعة بيرزيت لأكثر من سنتين. بالتالي استمررنا بالتدريس في البيوت، وبعد ذلك في النوادي أو المساجد، وكنا نعقد المحاضرات واجتماعات الدوائر والحصص التدريسية هناك.

ولكن من ناحية أخرى لعب طلاب وأساتذة الجامعة أينما وجدوا دورا مهما في الانتفاضة، كما تبين لاحقا حسب لوائح المعتقلين والشهداء. فبهذه الطريقة شاركت بيرزيت، ولكن ليس كمؤسسة.

الانتفاضة الثالثة

  • هل هناك انتفاضة ثالثة في الأفق القريب؟
  • كثيرا ما يتم الحديث عن انتفاضة ثالثة، فقد دعا مؤخراً إسماعيل هنيّة لانتفاضة ثالثة، ولكن بوجهة نظري لن يحصل انتفاضة ثالثة في المدى المنظور على الإطلاق، لأن هناك عاملان مكنا من حدوث الانتفاضة الأولى، وهما غير موجودين الآن.

الأساس الأول هو الأطر المنظمة، التي كانت عاملة في الأراضي الفلسطينية قبل عشر سنوات من قيام الانتفاضة، فالأحزاب السياسية نفسها كانت تملك قاعدة تنظيمية تصل الكل الفلسطيني. وكذلك نشأ أطر ومؤسسات شعبية مثل: النقابات العمالية ومنظمات ولجان العمل التطوعي، والزراعي، هذه الأطر جعلت من الانتفاضة الأولى بمعناها الجماهيري الواسع ممكنة.

أما الأساس الثاني فهو قيادة شعبيّة، كانت ذات أصول تنظيمية أو مستقلة، مثل: حيدر عبد الشافي، وعبد الجواد صالح في البيرة، أو بسام الشكعة في نابلس، بالإضافة لنشطاء الفصائل. هؤلاء كانوا يعيشون مع الناس، ومثلهم. ولا توجد فجوة بينهم وبين مجتمعاتهم، وكانوا يتقدمون العمل الكفاحي ضد الاحتلال.

كانت قيادة الانتفاضة أول من تعتقل وتضرب وتقمع، كانوا قيادات من الشعب، فمثلا إذا أردت أن توصل ابنك إلى المدرسة تجد بسام الشكعة على باب المدرسة يوصل ابنه، أو تجد فيصل الحسيني عند الحسبة يشتري الخضراوات. لم يكن يتمتعون بميزات يخافون عليها، ولا تشعرك بوجود مصلحة خاصة من وراء مقاومتهم للاحتلال. يعيشون مثلك، ويتعرضون لأذى الاحتلال أكثر منك، ويعتقلون أكثر من ابنائك، وهذا ما أدى لثقة الجمهور فيهم، وانقياده لهم.

هذا كله غير موجود الآن، القيادات الفلسطينية تحولت لرجالات حكم، أكثر منهم قيادات شعبيّة، تحولوا لوزراء وسفراء، حتى عندما يكون عضو لجنة مركزية في فتح يملك موكبا ونمط حياة مختلف.

  • إذا هل بإمكاننا القول أن الأمر غير متعلق بخطورة القرارات المتخذة في الحالة الفلسطينية، بقدر ما هو متعلق بقرار من القيادة؟
  • نعم، ولكنها يجب أن تكون قيادة شعبية صادقة، قريبة من الشعب.
  • هذا لا يعود للشعب، ولكن إلى القيادة، لأنها غيرت المشروع وشكل المؤسسات، فهم الذين يلامون بالأساس.
  • صحيح.

 

 

اقرأ أيضا