التسويق المعلوماتي خيالٌ علمي أم واقعٌ مخيف؟

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17 2018-01-09 12:01:00

بيرزيت اونلاين - فلورا عبداللطيف - تطول اللائحة وتطول عند الحديثِ عن التغييرات التي طرأت على حياتنا جرّاء التطور التكنولوجي في القرن الماضي، وخصوصاً مع التسارع الهائل في العقدين الأخيرين من الزمن. فلم تترك التكنولوجيا حيّزاً في حياة البشر إلا وتدخلت به، حتى ما كانت ترسمه لنا مخيلتنا و تستبعده في الأمس القريب، أصبح واقعاً نعيشه اليوم، حتى أصبحت قادرة على تحديد ما يحتاجه الإنسان قبل أن يدرك هو ذلك.

"كثيراً من الأحيان لا يعلم الشخص ما يريده تحديداً ولا يستطيع الإجابة، وهو ما ساهم في فشل ما يقارب 48% من الدراسات التسويقية في عام 2014". هذا ما جاء على لسان جمال أبو غوش مدير التسويق في شركة تنورة، ففي هذا العام اضطرت الشركات الفلسطينية للوقوف عاجزة امام عقبة تتجسد في عدم إدراك الإنسان احتياجاته بشكل كامل. ففي مطلع عام 2015 طرحت شركة "البيج داتا" خدماتها أمام مجموعة مختارة من الشركات التسويقية الضخمة للاستفادة من خدمة "التحليل المعلوماتي الرقمي عبر الإنترنت". وهي خدمة تقوم بشكل رئيسي على تجميع المعلومات من مستخدمي الإنترنت عبر تعقب تحركاتهم داخل الشبكة العنكبوتية وتوزيع هذه المعلومات لتحديد "هوية المستخدم واهتماماته وسلوكه ومحفزاته"، بهدف استخدامها في تطبيقات تسويقية مستقبلية.

 

في قطاع التسويق، فتحت الثورة الرقمية التي جاءت بالتزامن مع التطور السريع في خدمات الإنترنت المجال أمام العاملين فيه للحصول على أكبر قدر من المعلومات والاستفادة منها، اذ ان المعلومات هي البذرة الرئيسية لأي عملية تسويق. هذه المعلومات هي الخطوة الأولى لفهم حاجات المستهلكين حيث تساعد في تحديد طرق الاستهلاك والكميات المطلوبة للسوق، وقد اعتادت العديد من الشركات المختصة في هذا المجال على صرف مئات المليارات في السوق العالمي بهدف تجميع معلومات لمساعدتها في بناء خطط تسويقية مُجدية. ومن أهم وسائل جمع هذه المعلومات هي الاستبيان أو المسح السوقي الذي يتم عن طريق طرح مجموعة أسئلة على عينة ممثلة للسوق بهدف بناء الافتراضات على نتائج هذه الاجابات. لا تقتصر تكاليف جمع وتحليل هذه المعلومات على الجانب المادي فقط، فكما قال أبو غوش إنها تحتاج لوقت طويل وتعاون من قبل العينات الممسوحة والتي لا تتوفر دائما، وهو ما يمكن أن يرفع نسبة المخاطرة في بعض الخطط التسويقية الذي قد يسهم في فشلها مستقبلاً.

يقول مؤسس شركة "كوال آي تي"  منتصر عمرو، والتي تعمل في مجال التسويق المعلوماتي عبر الإنترنت: "إن أردت فهم أحد، كل ما عليك هو أن تتتبع تحركاته في الوضع الطبيعي فهو عندها يكون كالمرآة". مُضيفاً بإن عملية مراقبة الشخص في حالته الطبيعية تُمكن المُراقبين من فهم طبيعة عمل دماغه وكيفية تعامله مع المحفزات الخارجية.

يعمل هذا النظام على أساس عقل الإنسان الذي يقسم إلى جزأين، الجزء الواعي والجزء غير الواعي، فالجزء الواعي هو المسؤول عن التصرفات الروتينية والقرارات المُعتادة التي يصدرها الإنسان ومن ضمنها أوامر الحركة والانفعالات بأشكالها التي يُمكن للإنسان تفسير سبب حدوثها. وهنالك الجزء الباطن غير المُدرك، والذي لا يمكنك تحديد أو توقع تصرفاته أو لماذا يقوم بالتصرف بهذا الشكل وهو الذي يصدر منه معظم الأوامر التي تجعلنا نسأل انفسنا متعجبين "لماذا قمنا بعمل هذا"  وبما أن الإنسان لا يمكنه التحكم أو توقع ما هي متطلبات عقله الباطن الذي يتحكم بمعظم رغباته فإنه لا يمكن تحديدها من خلال سؤال الشخص فقط. فهو غير قادر على تقديم الإجابة لنفسه بالمقام الأول. و "يكمن الذكاء في التسويق عندما يتمكن المسوق من تلبية متطلبات العقل غير الواعي قبل متطلبات العقل الواعي" كما جاء على لسان مدير التسويق أبو غوش.

أعصاب إلكترونية

أوضح عمرو أن نظام تحليل المعلومات الرقمية هو نتاج من تكامل علوم النفس مع علوم التسويق تحت مظلة التكنولوجيا، فهو نظام مبني على خوارزمية فائقة التعقيد تقوم بتتبع تحركاتك كمستخدم على الإنترنت بهدف تحديد محفزات عقلك الباطن، تقوم بعدها بجمع معلومات عنك مثل مواقعك المفضلة، تفضيلك للعنف أم السلم، ألوانك المفضلة، وما هو أكثر ما يشد انتباهك، وهكذا تقوم بعدها هذه الخوارزمية بعرض المواد الدعائية إليك بطريقة تلائم محفزات عقلك الباطن. فعلى سبيل المثال، إن كنت ترتاد بشكل كبير المواقع التي تحفز على العنف مثل مواقع المصارعة فإن النظام يدرك بأنك قد تكون مهتماً بهذه الأمور، ويقوم بعدها بنشر دعايات "بوب أدز" تتعلق بالعنف عند ارتيادك مواقع بعيدة عن هذا المجال بهدف الاختبار، فإن قمت باتباع المنشور الدعائي وإبداء اهتمام به يتأكد النظام بأنك تميل للمواد الإعلانية العنيفة. وهذا لا يعني أنك إنسان عنيف، ولكن هذه الأمور تلفت انتباهك أكثر من غيرها، وهو الأمر الوحيد الذي يهم أي مسوق والذي هو "لفت الانتباه". وبما أننا ذكرنا سابقاً أن العقل الباطن هو المحرك الرئيسي لمعظم تصرفاتنا، فإن تلبية متطلبات العقل الباطن تجعل التحكم بتصرفات المستهلك الشرائية أمراً ممكناً جداً. وإن هذه الوسيلة تساعد في تطبيق فكرة الاستهداف المباشر في التسويق على نطاق أوسع. فاليوم أصبح بإمكانك إيصال رسالتك التسويقية لكل شخص بالطريقة التي تحفزه أكثر. فمثلا، إذا قامت شركة بنشر رسالتها الدعائية عبر هذا النظام، فإنه يتم إنشاء مجموعة من التصاميم المختلفة للرسالة بصياغات نصية مختلفة تتوائم مع المستهلكين المستهدفين، ويتم عرض الدعاية في الوقت المناسب خلال عملية التصفح وبالتصميم المناسب الذي يضمن شد انتباه المستخدم. بذلك فكأنك قمت باستهداف كل شخص بشكل منفرد وبطريقة مختلفة ومؤثرة. وهو ما يسمى بالذكاء التسويقي المستهدف الذي كان يطبق قديما على مجموعات صغيرة جداً من المستهلكين واقتصر على السلع ذات القيمة الشرائية العالية. أما اليوم، أصبح بإمكانك مخاطبة مليون شخص خلال ثانية واحدة وتجعل كل شخص منهم يشعر كأنه يتم مخاطبته هو فقط.

أنا مخترق

إن تتبع خطواتك عبر الصفحات الإلكترونية يجعلك تشعر بأنك مراقب طوال الوقت، وقد يشعر البعض بأن هذا تعدٍ على خصوصية الفرد، لكن الواقع هو أن تتبعك لا يتم إلا تحت موافقتك أنت بنفسك، فقال عمرو في هذا السياق بأن عملية تجميع المعلومات -وهي الخطوة الأولى- لا تتم إلا عند موافقتك على استخدام المواقع التي تستعمل خاصية "الكوكيز" والتي ينقر العديد منا عليها بالموافقة دون أن يدرك ماهيتها. لكن المعلومات التي يتم جمعها لا تتم مشاركتها مع أي جهة كانت بل إنها تبقى محفوظة في النظام ليتم استعمالها ضمن الخوارزمية فقط، فلا يمكن لأحد كتابة إسمك مثلا والحصول على معلومات عنك لأن هذا غير ممكن  مع كمية المعلومات الضخمة التي يحتويها النظام عن ما يقارب 2,4 مليار مستخدم للإنترنت حول العالم. وأضاف بأنه يجب علينا أن ندرك أنه "ما دمت تستخدم الشيء مجاناً، فهذا يعني بأنك أنت السلعة".

تكنولوجيا مثل التسويق المعلوماتي هي خطوة أولى في مرحلة جديدة من التسويق ونشر الأفكار حول العالم، حتى اللحظة لا يمكن لأحد الجزم بأن هذه التكنولوجيا سيتم استخدامها فقط لأغراض تجارية أم لا، فتكنولوجيا كهذه يمكنها غسل دماغ الملايين من البشر عبر بث رسائل ذات أيدولوجيا معينة بشكل مستمر بطريقة تحفز عقلنا الباطن دون أن ندركها أصلا، وهو ما يمكن أن يزرع الرهبة في نفوس بعض المستخدمين. إلا أنه لا يمكننا حتى اللحظة الجزم بأن مثل هذه التكنولوجيا سيتم استخدامها بشكل غير اخلاقي، ونعيد القول بأن التكنولوجيا ما هي إلا أداة وأننا كبشر من يتحكم بأن تكون لفائدة الإنسانية أو لضررها.

على صعيد السوق المحلي الفلسطيني، فقد أجمع كل من أبو غوش وعمرو بأن مثل هذه التكنولوجيا ستكون مفيدة جداً في السوق الفلسطيني على المنحى التجاري والسياسي كما يمكن استخدامها بشكل فعال في توجيه الرأي العام الدولي لمصلحة القضية الفلسطينية بطريقة غير مباشرة. ولكن هذا يعود في نهاية المطاف لطريقة تعاملنا معها كفلسطينيين وكقدرتنا على استخدامها بشكل فعال. أما في الوقت الراهن، فإن تطبيق هذه التكنولوجيا على السوق الفلسطيني معدوم كلياً من قبل الشركات العاملة في فلسطين إذ أضاف عمرو بأن شركتهم تعمل بشكل كامل مع شركات دولية خارجية، ولم يتلقوا أي عرض من قبل شركات فلسطينية منذ افتتاحهم عام 2016 مشيراً بأن المستخدمين الفلسطينيين يبقون ضمن دائرة المستخدمين المستهدفين كونهم منفتحين على عالم الإنترنت بشكل كبير ويشكلون شريحة مجدية للاستهداف من قبل الشركات العالمية.  

اقرأ أيضا