قصة شهيد

تم النشر بواسطة: Administrator 2017-08-16 01:08:00

اعداد وتصوير: نضال شاور الريماوي

تتشابه الأرواح فيما بينها الا القليل، لكن هذه الروح لم تكن كغيرها، نشأت في أحضان الجميع، الاعمام، الجدة، الاقارب وحتى ابناء البلدة، الا انها لم تحيا كما يجب، فهي نشأت بعيدا عن روح والدها منذ ان كانت تبلغ الثلاثة أعوام، ”احمد حازم الريماوي“ هو من ملك تلك الروح، 15 عاما عاشها احمد بعيدا عن والده ليلقاه في سن السابعة عشر ويقضي معه ثلاثة اشهر غمرها الفرح والسعادة ولكن هل كانت كافية؟

بيت ريما تلك القرية التي تقع شمال غرب مدينة رام الله شاهدة على كل لحظة عاشها  الشاب  أحمد الريماوي  الملقب بـ ”الحذري“ من الحذر، حيث اعتادت القرية على مزاحه وابتسامته وتلك العفوية التي كان يظهرها ويتعامل بها مع أفراد القرية صغاراَ وكباراَ.

نشأ أحمد بين جدران منزلِ يعيش أفراده بين مطرقة الاحتلال وسنديان القهر والظلم، آلامهم من الفرقة عكست ترهلات قلوبهم على جدران هذا المنزل، ما بين أسيرِ وشهيد بات هذا المنزل كسجن للمآسي والألآم وعنوانِ للصمود، أسواره تحكي حكاية قضيةِ بأكملها.

جدة أحمد، رغم كل الألم في قلبها فهي عاشت أسيرةَ للفراق، فكل واحدِ من أبنائها ذاق مرارة السجن، رغم كل ذلك إحتضنت أحمد منذ طفولته، ولم تُشعره بجزءِ من آلامها لتعوضه عن غياب الأب والأم، ولا تزل جدته ”أم حازم“ تشعر بأنفاس وروح أحمد في أحضانها، احتضنته في طفولته لتحتضن صورته بعد فراقه.

قبعة الرأس والمسبحة اللتان لازمتا أحمد، اليوم هن كل ما تبقى لجدته من رائحته، ذكرى تبقى عالقة في منزلها لتذكرها كل يوم بوجهٍ اعتادت عليه.

عندما تشرق الشمس وتطل بثوبها الأصفر تدق أبواب منزل أحمد لتوقظه حتى يذهب ويباشر عمله مع أحد أقربائه كما العادة. لا زال رفيقه في العمل يجلس كل  صباح ويحضر كأساَ من الشاي له وأخرى لأحمد كما اعتاد ان يفعل كل يوم.

محمد ذو الستة أعوام ارتبط بابن عمه أحمد فحمل بذلك لقبه ”الحذري الصغير“، ليجلس مع حزنِ لم يحتمله قلبه الصغير مستذكراَ تلك الابتسامة على وجه أحمد كلما كان يداعبه في أزقة القرية.

اعتادوا على السهر في كل يوم، يضحكون ويمرحون ضاربين كل المآسي عرض الحائط، لقائهم حياة خيالية لم يستوعبوا زوالها، أصدقاء أحمد لم يحتملوا فكرة الفراق، فأصروا ان يتركوا ذلك الكرسي الذي كان يجلس عليه أحمد مكانه، كان وما زال حاضرا في كل جمعة بصحبة أصدقائه إن لم يكن بالجسد فبذكراه وصورته التي تسامر أصدقائه كل ليلة.

خمسة عشر عاماَ وتعتريه هذه النظرة، عاشها ”حازم عطا“ بين أربعة جدران بعيداَ عن ابنه أحمد بعد ان غيبته سجون الاحتلال، ثلاثة أشهر فقط كانت المدة التي سمح بها لحازم أن يعيش فيها كأب يحاول ان يعوض ابنه ويمنحه الحنان الذي حرم منه لسنوات، وما بين الحرية التي لم يعتد عليها وصدمة فراق أحمد، تاهت نظرات والد أحمد بين ماضِ أليم وحاضرِ أشد آلماَ.

غرفةُ فارغة،  سريرُ لم يعد ينام عليه أحد. أحمد ترك غرفته وسريره اللذان اعتاداه عليه، عالمه الصغير الذي احتضنه. هذه الغرفة تستقبل اباه في كل صباح ينادي ”أحمد اصحى يابا“ ليرد السرير عليه أحمد لم يعد هنا. 

كان أحمد يتمنى أن يمتطي صهوة حصانه هذا، كان ينتظر خروج والده من الأسر ليشتري له هذا الحصان. لم يعتلي تلك الصهوة أبداَ. كان فصل الشتاء الذي لم يسمح لأحمد بركوبه، ثم كان الاحتلال الذي عجل برحيله،  ذهب أحمد ولازال الحصان ينتظر ذلك الفارس ليعتلي صهوته.

ارتبطت حياة أحمد بالطبيعة، كان محباَ لها ولكل ما فيها من حيوانات وطيور، وكان حريصا دائما أن تكون جزءاَ من حياته. عصافير أحمد تنتظر تلك الأنامل لتضع لها الغذاء والشراب، ولسان حالها يقول أطلت البعد يا أحمد وقد متنا من الجوع من بعدك .

18\12\2016 في هذا التاريخ وفي مساءه صمتت الحياة ليصرخ أبناء القرية في وجه المحتل الذي اعتاد على اقتحامها، هذه الليلة لم تكن كسابقاتها فهذه المرة أخذ الاحتلال معه روح جميلة. أحمد خرج ليواجه المحتل بحجارته التي كانت أقوى بإرادتها وعنفوانها ولكن الرصاصة كانت أسرع في غدرها...

لم تخطأ تلك الرصاصات هدفها، خرجت بدافع القتل فقتلت، وسلبت معها عمرا وحلما لم يكتمل، واخذت معها فرحةَ بخروح والد أحمد من الاسر، بعد أن اخترقت تلك الاسطوانه المدببة صدره لتلف حبل المشنقة على قلبه وتنهي كل لحظة جميلة عاشها أحمد بين أحضان أهله وأبناء قريته.

حذاء أحمد ترك وحيداَ، ليكون دليلا على كل مكان وطأه بقدميه، وعلى كل جزء من أرض احبها وأحبته.  دماء أحمد امتزجت بالتراب الذي لون حذائه ليبقى ذلك تذكاراً يخلد جزءاً من الحكاية...

أيعقل ان أنساك يا صديقي؟! أيعقل ان تفارق روحك روحي وتتركها في دائرة الوحدة. لازال صديق أحمد لا يحتمل فكرة استشهاده، ففي كل يوم يذهب للمكان الذي دفن فيه ليحدثه عن القرية وعن أهلها وأصدقائه ويجلب معه مشروباَ للطاقة وسيجارة اعتاد أن يتشاركهما مع أحمد ليضعها على القبر ويكلمه، كما كان يفعل كل يوم...

بعد أن تشرق الشمس في كل صباح، ستغرب في نهاية ذلك اليوم لا محاله.
في احدى تلك الايام غابت شمس أحمد ولكن ذكراه وما تركه من أثر في نفس كل من عرفه لم ولن يذهب، وسيبقى أحمد حيا بروحه التي لن تنسى في الدنيا وحيا بجوار ربه كما وعد الله كل الشهداء...

اقرأ أيضا

الحاجة صالحية والنكبة

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17
2018-08-06 11:08:00

كوثر قدح، من البطالة نحو الإبداع

تم النشر بواسطة: waleed.zayed17
2018-02-09 02:02:00